إن من حكمة الله تعالى أن جعل حياة الإنسان ميدانًا للاختبار، تتخللها الصعاب والمشكلات التي تتطلب منه الصبر واللجوء إلى خالقه، والمسلم الحق يجمع بين الأخذ بالأسباب المادية لحل مشكلاته، وبين التوكل على الله والاستعانة به عبر الدعاء، فهو أعظم عبادة وأقوى سلاح للمؤمن، وفيما يلي استعراض لأدعية صحيحة ومأثورة، مع بيان مصادرها، لتكون عونًا للمسلم في مواجهة ما يعترضه من شدائد.
أدعية صحيحة ومأثورة لحل المشاكل وتفريج الكروب
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة مباركة، ومنها:
- دعاء تيسير الأمور: وهو دعاء نبوي صحيح يُقال عند استصعاب الأمور.
“اللَّهُمَّ لَا سَهْلَ إِلَّا مَا جَعَلْتَهُ سَهْلًا، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ إِذَا شِئْتَ سَهْلًا”.
المصدر: رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني، وهو من الأدعية العظيمة التي تبث الطمأنينة في النفس عند مواجهة الصعاب.
- دعاء الكرب العظيم: وهو دعاء نبي الله يونس -عليه السلام- وهو في بطن الحوت، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ما دعا به مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”.
المصدر: سورة الأنبياء، الآية 87، وجاء في فضله حديث صحيح رواه الترمذي.
- دعاء المكروب: وهو من الأدعية النبوية التي يُستحب للمسلم أن يدعو بها عند الشدة.
“اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ”.
المصدر: سنن أبي داود، وهو حديث حسن.
صيغ وأدعية عامة لتيسير الأمور
إلى جانب الأدعية المأثورة من القرآن والسنة، يتداول الناس بعض الصيغ التي تحمل معاني طيبة، ويجوز الدعاء بها ما لم تتضمن محظورًا شرعيًا، وهذه الصيغ هي من قبيل الدعاء العام الذي ينشئه العبد، وليست من السنة النبوية، ومن أمثلتها:
- (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ نِعْمَتِي، وَمَلَاذِي عِنْدَ كُرْبَتِي، اجْعَلْ لِي مِنْ أَمْرِي فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَارْزُقْنِي مِنْ حَيْثُ لَا أَحْتَسِبُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ).
- (يَا رَبِّ يَا سَمِيعَ كُلِّ نَجْوَى، وَعَالِمَ كُلِّ خَفَايَا، يَا كَاشِفَ الْهُمُومِ، أَنْتَ الَّذِي أَنْقَذْتَ نُوحًا، وَجَعَلْتَ النَّارَ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَفَلَقْتَ الْبَحْرَ لِمُوسَى، وَرَفَعْتَ عِيسَى، وَنَصَرْتَ مُحَمَّدًا عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَدْعُوكَ يَا إِلَهِي دُعَاءَ مَنْ ضَاقَتْ بِهِ حِيلَتُهُ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، أَنْ تُفَرِّجَ هَمِّي وَتَكْشِفَ غَمِّي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ).
- (إِلَهِي الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ لَنَا مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا).
تنبيه هام وحكم هذه الأدعية
تنبيه وإخلاء مسؤولية: الصيغ المذكورة في هذا القسم هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وفيها غنية عن غيرها، ويجوز الدعاء بما سبق على أنه دعاء عام من إنشاء العبد، لا على أنه سنة مأثورة بلفظها.
وسائل شرعية لتجاوز المحن وتفريج الهموم
إلى جانب الدعاء، هناك أعمال صالحة تعد من أعظم أسباب تفريج الكروب وتيسير الأمور، كما دلت على ذلك نصوص الشرع:
- التوكل على الله وحسن الظن به: أن يوقن العبد أن الفرج بيد الله وحده، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، قال الله تعالى في الحديث القدسي:
“أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي”.
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم).
- الصبر واحتساب الأجر: فالله تعالى وعد الصابرين بحسن الجزاء وبشّرهم، فقال سبحانه:
“وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ”.
المصدر: سورة البقرة، الآية 155، وقال أيضًا:
“إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ”.
المصدر: سورة الزمر، الآية 10.
- لزوم الاستغفار: فالاستغفار من أعظم أسباب الرزق والفرج، ورغم شهرة حديث “من لزم الاستغفار…” إلا أن أهل العلم قد ضعفوه، ولكن فضائل الاستغفار ثابتة في القرآن الكريم، كقوله تعالى على لسان نوح عليه السلام:
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا”.
المصدر: سورة نوح، الآيات 10-12.
- الإكثار من ذكر الله: فالذكر يورث طمأنينة القلب وسكينته، قال تعالى:
“أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”.
المصدر: سورة الرعد، الآية 28.
- الصدقة ومساعدة المحتاجين: فإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، ومن فرّج عن مسلم كربة، فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
- بر الوالدين: فهو باب عظيم للتوفيق والبركة في الحياة، ودعاؤهما مستجاب، وهو من أسباب تفريج الكروب كما ورد في قصة أصحاب الغار الثابتة في الصحيحين.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة البقرة، الآية 155.
- سورة الزمر، الآية 10.
- سورة نوح، الآيات 10-12.
- سورة الرعد، الآية 28.
- صحيح ابن حبان، حديث رقم 970، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 5090، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 7405؛ صحيح مسلم، حديث رقم 2675، (يمكن مراجعتهما على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول أدعية تفريج الكرب
ما هو أعظم دعاء لتفريج الكرب؟
دعاء نبي الله يونس عليه السلام: “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له”.
هل يجوز أن أدعو بغير اللغة العربية أو بصيغة من عندي؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بلغته وبما يفتح الله عليه من صيغ الدعاء، بشرط ألا يكون في دعائه اعتداء أو إثم، ولكن الأفضل والأكمل هو الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة، لأنها أجمع للخير وأعظم في البركة.
ما هي أفضل الأوقات للدعاء؟
هناك أوقات وأحوال يُرجى فيها إجابة الدعاء، منها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود أثناء الصلاة، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر، والمسلم يدعو ربه في كل وقت وحين.

