يُعد الدعاء من أعظم العبادات التي يلجأ بها المسلم إلى ربه في كل أحواله، وخاصة في أوقات الشدة والضيق، فالهم والحزن من المشاعر التي تُثقل النفس، ولا يجد العبد لها كاشفًا إلا الله سبحانه وتعالى، إن التوجه إلى الله بالدعاء الصادق، مع اليقين بالإجابة، هو مفتاح الفرج وباب الطمأنينة، نستعرض هنا مجموعة من الأدعية الصحيحة والمأثورة لتفريج الهم والكرب، مع بيان مصادرها الشرعية لضمان الموثوقية والأصالة.
أدعية صحيحة من القرآن والسنة لتفريج الهم
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تشمل خيري الدنيا والآخرة.
-
دعاء الكرب
وهو من أعظم الأدعية التي وردت في السنة النبوية عند الشدائد، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”.
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم).
-
دعاء الهم والحزن
هذا الدعاء النبوي الشريف هو ملاذ لكل من يعاني من الهموم والديون، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”.
المصدر: صحيح البخاري.
-
دعاء تيسير الأمور الصعبة
دعاء نبوي عظيم يُقال عند استصعاب الأمور، وفيه تفويض كامل لله عز وجل.
“اللَّهُمَّ لَا سَهْلَ إِلَّا مَا جَعَلْتَهُ سَهْلًا، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ إِذَا شِئْتَ سَهْلًا”.
المصدر: رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.
-
دعاء نبي الله موسى عليه السلام
دعاء قرآني مبارك لطلب انشراح الصدر وتيسير الأمر، وهو مناسب لكل من يُقبل على مهمة صعبة أو يشعر بضيق في صدره.
“رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴿25﴾ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴿26﴾ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ﴿27﴾ يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴿28﴾”
المصدر: سورة طه، الآيات 25-28.
صيغ وأدعية شائعة تُنسب لتفريج الهم
تنتشر بين الناس بعض الأدعية والصيغ التي لم ترد في مصادر السنة الصحيحة، ورغم أن معانيها قد تكون حسنة، إلا أنه لا يجوز نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو اعتقاد فضل خاص بها، نذكر بعض الأمثلة للتوضيح:
- “اللَّهُمَّ يا مُيَسِّرَ كُلِّ شَديدٍ، ويَا مُلينَ الحديدِ، ويا مُنجزَ الوعيدِ..، أخرجني من حلق الضيق إلى أوسع الطريق…”.
- “يا فارج الغم، اجعل لي من أمري فرجًا ومخرجًا، يا سامع كل شكوى وكاشف كل كرب…”.
- “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس…” (يُنسب هذا الدعاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قصة عودته من الطائف، ولكن سنده ضعيف جداً ولا يصح نسبته إليه).
- “اللهم بحق قولك تعالى ((لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ)) اكشف عني كل بلاء…” (هذا أسلوب دعاء وتوسل بالقرآن، وهو جائز في معناه العام، لكنه ليس صيغة مأثورة).
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وفيها الخير كله، أما الدعاء بصيغ عامة من إنشاء الشخص نفسه، بمعانٍ صحيحة لا تخالف الشرع، فهو جائز، ولكن دون تخصيص فضل معين أو نسبة إلى الدين.
سبل التخلص من الهم والضيق من منظور إيماني
إلى جانب الدعاء، هناك أسباب شرعية وعملية تساعد على تفريج الكروب وانشراح الصدور، ومن أهمها:
- تقوى الله والابتعاد عن المعاصي: فمن أعظم أسباب ضيق الصدر الوقوع في الذنوب، قال تعالى:
“وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا”
[طه: 124]، والتوبة الصادقة والرجوع إلى الله يفتحان أبواب الفرج.
- الإكثار من ذكر الله: قراءة القرآن، والتسبيح، والتهليل، والاستغفار من أعظم أسباب طمأنينة القلب، قال تعالى:
“أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”
[الرعد: 28].
- حسن الظن بالله والتوكل عليه: اليقين بأن الله هو المدبر، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، يورث النفس رضا وطمأنينة، فوض أمرك كله لله، واعلم أن بعد العسر يسراً.
- الصحبة الصالحة: مجالسة الصالحين تذكر بالله وتعين على الطاعة، بينما رفقة السوء قد تزيد الهم والغم، اختر من يعينك على الخير ويخفف عنك في الشدة.
- الأخذ بالأسباب الدنيوية: الإسلام دين عمل، فلا تعارض بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب المادية، مثل استشارة أهل الخبرة، أو ممارسة الرياضة، أو الاهتمام بالتغذية الصحية، فكلها وسائل معينة على تحسين الحالة النفسية والجسدية.
المصادر والمراجع
- سورة طه، الآيات 25-28.
- سورة طه، الآية 124.
- سورة الرعد، الآية 28.
- صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الكرب، حديث رقم 6346، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الاستعاذة من الجبن، حديث رقم 6369، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح ابن حبان، حديث رقم 970، (حكم المحدث: صححه شعيب الأرناؤوط).
أسئلة شائعة حول أدعية تفريج الهم
ما هو أفضل دعاء لتفريج الهم والكرب؟
الأدعية الواردة في السنة النبوية هي الأفضل والأجمع للخير، وعلى رأسها “دعاء الكرب” (لا إله إلا الله العظيم الحليم…)، و”دعاء الهم والحزن” (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن…).
هل يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في القرآن أو السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من كلام طيب لا يخالف الشرع، كأن يدعو لحاجة معينة بأسلوبه الخاص، ولكن لا يجوز اعتقاد أن هذه الصيغ لها فضل خاص أو أنها سنة مأثورة، فالأفضل دائمًا هو الالتزام بالأدعية النبوية والقرآنية.
ما هي أوقات إجابة الدعاء؟
يُرجى إجابة الدعاء في أوقات وأحوال كثيرة، منها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر، ودعوة الصائم حتى يفطر.

