يواجه الإنسان في رحلة حياته لحظاتٍ من الشدة والكرب، يشعر فيها بضيق الحال وثقل الهموم، ولكن هذه الابتلاءات هي جزء من سنة الله في خلقه، وهي اختبار للصبر ووسيلة لتكفير الذنوب ورفعة الدرجات، وقد وعد الله تعالى عباده بالفرج واليسر، تأكيدًا على أن رحمته تسبق غضبه، فقال في كتابه الكريم:

“فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)” [الشرح: 5-6]

وهذا وعدٌ إلهيٌ بأن الشدة لا تدوم، وأن الفرج يأتي بعدها، مما يوجب على المؤمن الثقة بالله وحسن الظن به، واللجوء إليه بالدعاء الذي هو خير سلاح للمؤمن في كل أحواله.

أدعية صحيحة من القرآن والسنة لتفريج الكروب والهموم

إن أفضل ما يدعو به المسلم هو ما ثبت في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة ومباركة، ومن أعظمها ما يُقال عند الكرب والشدة:

1، دعاء الكرب

وهو الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله عند الكرب، وهو من أصح الأدعية في هذا الباب.

“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”.

المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم).

2، دعاء إزالة الهم والحزن

هذا الدعاء من الأدعية النبوية العظيمة التي تُذهب الهم والغم وتُبدل الحزن فرحًا وسرورًا بإذن الله.

“اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي”.

المصدر: رواه الإمام أحمد في مسنده، وهو حديث صحيح.

3، دعاء من أصابه كرب وشدة

من الأدعية التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم للمكروب، وفيها تفويض كامل لله تعالى.

“اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ”.

المصدر: رواه أبو داود، وهو حديث حسن.

4، دعاء ذي النون (يونس عليه السلام)

وهو دعاء عظيم ورد في القرآن الكريم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ما دعا به مسلم في شيء إلا استجاب الله له.

“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”، [الأنبياء: 87]

فضله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له”، (رواه الترمذي، حديث صحيح).

5، قول “حسبنا الله ونعم الوكيل”

هي كلمة المؤمنين عند الشدائد، وفيها تفويض الأمر لله والتوكل عليه، وقد قالها إبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار، وقالها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه في وجه الأعداء.

“الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”، [آل عمران: 173]

أمثلة على صيغ الأدعية الشائعة عند الشدة

تنتشر بين الناس بعض صيغ الأدعية التي لم ترد بنصها في السنة النبوية، ولكنها تحمل معانٍ طيبة وتضرعًا إلى الله، من أمثلتها:

• “اللهم يا مُيسر كل عسير، يا من بيده مفاتيح الأمور، سَهل لي أمري وافتح لي أبواب الخير حيث لا أحتسب، يا من تُغير الحال إلى أحسنه، لا تدع لدي حاجة إلا قضيتها ولا همومًا إلا أزلتها ولا كروبًا إلا فرجتها برحمتك يا أرحم الراحمين.”.
• “لا إله إلا الله الحكيم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبًا إلا غفرته، ولا همًا إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين.”.

تنبيه هام وحكم هذه الأدعية

تنبيه: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ومع ذلك، يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من الأدعية ذات المعاني الصحيحة التي لا تخالف الشرع، ما لم ينسبها إلى السنة أو يعتقد لها فضلاً خاصًا لم يرد به دليل.

وسائل شرعية لتجاوز المحن وتحقيق الفرج

إلى جانب الدعاء، هناك أعمال صالحة وعبادات قلبية تعين المسلم على تجاوز الأزمات وتكون سببًا في نزول الفرج من الله تعالى:

• التوكل على الله وحسن الظن به: أن يفوض المسلم أمره كله لله، موقنًا أن تدبير الله له خير من تدبيره لنفسه، ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى:
  

  “أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي”.

  (متفق عليه).

• الصبر وانتظار الفرج: الصبر عبادة عظيمة وعد الله أهلها بالأجر العظيم والبشرى، قال تعالى:
  

  “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ”، [البقرة: 155]

  .

• لزوم الاستغفار: فالاستغفار يمحو الذنوب التي قد تكون سببًا في نزول البلاء، ويفتح أبواب الرزق والفرج، ومع أن الحديث المشهور “من لزم الاستغفار…” في سنده ضعف، إلا أن فضل الاستغفار ثابت بنصوص قطعية من القرآن والسنة.
• الإكثار من ذكر الله: فبذكر الله تطمئن القلوب وتزول الوحشة والقلق، قال تعالى:
  

  “أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”، [الرعد: 28]

  .

• بر الوالدين وصلة الأرحام: فهي من أعظم أسباب التوفيق والبركة في العمر والرزق ودفع البلاء.
• الصدقة والإحسان إلى الخلق: فإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، ومن فرّج عن مسلم كربة، فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة حول أدعية تفريج الكروب

ما هو أفضل دعاء لفك الكرب؟

أفضل الأدعية هي ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسها “دعاء الكرب” (لا إله إلا الله العظيم الحليم…)، ودعاء ذي النون (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، ودعاء إزالة الهم (اللهم إني عبدك…).

هل يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في السنة؟

نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من الأدعية الطيبة التي ليس فيها اعتداء أو مخالفة شرعية، ولكن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنها أجمع للمعاني وأعظم في البركة.

ما هي أفضل الأوقات للدعاء؟

يُستحب تحري أوقات إجابة الدعاء، ومنها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر