دعاء نهاية العام الميلادي: الحكم الشرعي وأدعية مأثورة
مع اقتراب نهاية كل عام ميلادي، يميل الكثير من الناس إلى التوجه إلى الله بالدعاء، رغبةً في ختام عام مضى بالخير وابتداء عام جديد بالتوفيق والبركة، إن الدعاء عبادة عظيمة وملاذ للمؤمن في كل وقت وحين، وهو من أعظم القربات إلى الله تعالى، لكن من المهم أن تكون هذه العبادة موافقة لما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لتعظيم الأجر وتحقيق القبول.
في هذا المقال، نوضح الحكم الشرعي لتخصيص نهاية العام بأدعية معينة، ونقدم بديلاً صحيحاً من الأدعية الجامعة المأثورة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها في كل وقت، بما في ذلك هذه المناسبة.
حكم تخصيص نهاية العام الميلادي بدعاء محدد
لم يرد في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة ما يدل على تخصيص آخر يوم من العام (سواء الهجري أو الميلادي) بعبادة معينة أو دعاء خاص، ويعتبر العلماء أن تخصيص زمان لم تُخصصه الشريعة بعبادة معينة، مع الاعتقاد بأن لهذا التخصيص فضلاً خاصاً، يدخل في باب “البدعة الإضافية”.
والأصل أن المسلم يدعو ربه في كل وقت، ويتحرى أوقات الإجابة المعروفة (مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، ويوم عرفة، وغيرها)، أما الدعاء في نهاية العام بشكل عارض دون اعتقاد فضل خاص لهذا الوقت، بل من باب محاسبة النفس والتطلع إلى مستقبل أفضل، فهو أمر جائز لا حرج فيه، والأولى هو استخدام الأدعية المأثورة الجامعة.
أمثلة على صيغ منتشرة (لا أصل لها في السنة)
تنتشر بين الناس بعض الصيغ والأدعية التي تُنسب إلى نهاية العام، وهي في مجملها أدعية حسنة المعنى، ولكنها لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو السلف الصالح، من أمثلتها:
- اللهم يا أرحم الراحمين مع نهاية هذا العام نسألك العفو والمغفرة، ونسألك يا الله أن تعتق رقابنا من النار وتجعلنا من أهل الجنة طهر قلوبنا من الحقد والغل ويسر أمورنا التي استعصت علينا ووكلنا إليك في كل أمور حياتنا.
- يا الله مع طيّ صفحة هذا العام نسألك أن تملأ حياتنا بالخير والعطاء وحقق كل أمنياتنا التي نسعى إليها، أصلح حال أبنائنا وبناتنا وقنا شر النفوس الحاقدة والكائدين والحاسدين، واجعلنا يا الله من عبادك الذين زينت حياتهم بالتقوى والخير.
- اللهم اجعل ختام هذا العام شاهداً لنا لا علينا واختم لنا برضاك وعفوك وكرمك وأدخلنا في نعيمك الأبدي الذي لا ينقطع، واكتب لنا نجاةً من عذاب النار والفوز بجنات الفردوس في أمان وسكينة.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، وفيها من جوامع الكلم ما يغني عن غيرها.
البديل الشرعي: أدعية جامعة من القرآن والسنة لكل وقت وحين
بدلاً من البحث عن صيغ غير ثابتة، يمكن للمسلم أن يدعو بجوامع الدعاء التي وردت في الكتاب والسنة، فهي أفضل وأكثر بركة، وهذه الأدعية تصلح لكل زمان ومكان، ومنها ما يلي:
1، دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة (من القرآن الكريم)
هذا الدعاء من أكثر الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بها، وهو يجمع كل خير.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
المصدر: [سورة البقرة: 201].
2، سيد الاستغفار (من السنة النبوية)
وهو أفضل صيغ الاستغفار، وفيه تجديد للتوبة ومحاسبة للنفس مع ختام يوم أو عام.
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ”
المصدر: حديث صحيح، رواه البخاري.
3، دعاء سؤال الهداية والتقى والعفاف والغنى
دعاء نبوي عظيم يجمع أصول السعادة في الدنيا والآخرة.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى”
المصدر: حديث صحيح، رواه مسلم.
4، دعاء صلاح الشأن كله
من الأدعية النبوية الجامعة التي تصلح لكل وقت، وفيها تفويض الأمر كله لله.
“يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ”
المصدر: حديث حسن، رواه النسائي وغيره.
أدعية عامة يمكن الدعاء بها في كل وقت
بالإضافة إلى ما سبق، يمكن للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة بالصيغ التي تفتح عليه، ما لم تكن تحتوي على إثم أو قطيعة رحم، ومن أمثلة ذلك:
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي، (من أذكار الصباح والمساء – حديث صحيح).
- اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم.
- اللهم اختم لنا عامنا هذا برضوانك، والعتق من نيرانك، واجعل مآلنا إلى جناتك، (دعاء عام).
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب أفضل الاستغفار، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن النسائي، والجامع الصغير للسيوطي، (يمكن مراجعة درجة الحديث على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة
هل يجوز تخصيص آخر يوم في العام بدعاء معين؟
لا يجوز تخصيص آخر يوم في العام بدعاء معين مع الاعتقاد أن لهذا الوقت فضيلة خاصة، لأن ذلك لم يرد في الشرع، أما الدعاء فيه بشكل عام كمحاسبة للنفس وطلب الخير للعام القادم دون هذا الاعتقاد، فهو جائز، والأفضل استخدام الأدعية المأثورة الجامعة.
ما هو أفضل دعاء أقوله في نهاية العام؟
أفضل ما يمكن الدعاء به هو الأدعية الثابتة في القرآن والسنة، ومن أجمعها دعاء: “ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”، وكذلك “سيد الاستغفار” بنية التوبة عن تقصير العام الماضي، ودعاء “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث…” لطلب صلاح الأحوال في المستقبل.
هل الأدعية المنتشرة لنهاية العام صحيحة؟
غالبية الأدعية المنتشرة والمخصصة لنهاية العام هي صيغ من تأليف الناس، وليست من السنة النبوية، ومع أن معانيها قد تكون حسنة، إلا أن الالتزام بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأكثر بركة والأبعد عن الابتداع.
