عندما يواجه المسلم قرارات مصيرية في حياته، كالزواج، فإنه يشعر بالحاجة إلى عون وتوفيق من الله سبحانه وتعالى، فالزواج ليس مجرد عقد، بل هو ميثاق غليظ ومرحلة انتقالية تؤثر على دين المرء ودنياه، ومن هنا، شرع الإسلام صلاة الاستخارة كوسيلة مباركة لطلب الخيرة من الله، وتفويض الأمر إليه بقلب مطمئن ونفس راضية.
قد يلجأ الإنسان إلى استشارة الأهل والأصدقاء من أصحاب الخبرة والحكمة، وهذا أمر مطلوب ومحمود، ولكنه يظل في إطار الأسباب الدنيوية، أما الاستخارة، فهي استشارة رب الأسباب، الخالق الذي يعلم ما كان وما سيكون، ويعلم السر وأخفى، فيجمع المسلم بذلك بين الأخذ بالأسباب المادية والتوكل القلبي على الله.
في هذا المقال، نوضح بالتفصيل كيفية أداء صلاة الاستخارة للزواج وفق ما ورد في السنة النبوية المطهرة، مع بيان أهم الأحكام والنقاط المتعلقة بها، لنقدم دليلاً شاملاً وموثوقاً لكل من يقف أمام هذا القرار الهام.
نص دعاء الاستخارة ومصدره من السنة النبوية
إن دعاء الاستخارة هو جوهر هذه العبادة، وقد علّمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يعلمهم السورة من القرآن، مما يدل على عظيم شأنه وأهميته، النص الصحيح للدعاء كما ورد في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما هو:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ -ويسمي حاجته- خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي (أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ) فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي (أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ) فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ».
المصدر: رواه البخاري في صحيحه، وهو حديث صحيح.
كيفية أداء صلاة الاستخارة للزواج
لأداء صلاة الاستخارة على الوجه الصحيح الموافق للسنة النبوية، ينبغي اتباع الخطوات التالية:
- الوضوء: يتوضأ المسلم وضوءه للصلاة، مستحضراً نية الطهارة لهذه العبادة.
- النية: يعقد النية في قلبه على أداء صلاة الاستخارة، فالأعمال بالنيات.
- الصلاة: يصلي ركعتين من غير الفريضة، في أي وقت من ليل أو نهار، مع تجنب أوقات الكراهة (بعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس، وعند قيام الشمس في منتصف السماء، وبعد صلاة العصر حتى تغرب).
- القراءة في الصلاة: يُستحب أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بسورة (الكافرون)، وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة بسورة (الإخلاص).
- الدعاء بعد الصلاة: بعد أن يسلم من الصلاة، يرفع يديه ويثني على الله ويحمده، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة الإبراهيمية.
- نص الدعاء: يقرأ دعاء الاستخارة المذكور أعلاه بخشوع وتدبر، وعندما يصل إلى عبارة “اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ…” يسمي حاجته بوضوح، فيقول مثلاً: “…أن زواجي من فلانة بنت فلان…” أو “…أن زواجي من فلان بن فلان…”.
- ختم الدعاء: يختم دعاءه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى.
- التوكل والتسليم: بعد الدعاء، يفوض أمره بالكامل لله تعالى، ويمضي في الأمر الذي استخار له، متوكلاً على الله وراضياً بما يقدره له، سواء تيسر الأمر أم تعسر.
تنبيه مهم: نتيجة الاستخارة ليست بالضرورة رؤيا في المنام، بل غالبًا ما تكون على هيئة انشراح في الصدر للمضي في الأمر، أو انقباض وصرف عنه، أو تيسير أسباب الأمر إن كان خيراً، أو ظهور عوائق وصعوبات إن كان شراً.
نقاط هامة وتنبيهات حول صلاة الاستخارة
لتحقيق المقصد الشرعي من الاستخارة، ينبغي مراعاة بعض الأمور الهامة وتجنب المفاهيم الخاطئة الشائعة:
- اليقين بالله: يجب أن يكون المستخير على يقين تام بأن الله وحده من بيده الخير، وأن اختياره هو الأفضل، ويدعو بقلب حاضر وموقن بالإجابة.
- الاستخارة لا تغني عن الاستشارة: الاستخارة لا تتعارض مع الأخذ بالأسباب، ومنها استشارة أهل الرأي والصلاح والبحث والسؤال عن الطرف الآخر، بل هي تأتي بعد ذلك لتطلب التوفيق في الاختيار.
- عبادة مستقلة: صلاة الاستخارة هي صلاة نافلة مقصودة بذاتها، فلا يجزئ الدعاء بعدها عن صلاة الفريضة أو السنن الرواتب، بل لا بد من صلاة ركعتين بنية الاستخارة.
- لا استخارة في الواجبات والمحرمات: لا يُستخار في فعل واجب (كأداء الصلاة) أو ترك محرم (كشرب الخمر)، فالاستخارة تكون في الأمور المباحة التي يتردد فيها الإنسان.
- الاستخارة شخصية: الأصل أن يستخير الإنسان لنفسه، ولا ينيب غيره في ذلك، لأنها عبادة ودعاء يرتبط بحاجة الشخص نفسه وتوكله على ربه.
- حكم الاستخارة للمرأة الحائض: إذا كانت المرأة حائضاً أو نفساء، وتعذر عليها أداء الصلاة، وكان الأمر عاجلاً لا يحتمل التأخير، فيجوز لها الاقتصار على الدعاء دون الصلاة، فتقرأ دعاء الاستخارة بعد الثناء على الله والصلاة على نبيه.
المصادر والمراجع
- حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صفة صلاة الاستخارة، (صحيح البخاري، حديث رقم 1162، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول صلاة الاستخارة للزواج
هل يجب أن أرى حلمًا أو رؤيا بعد صلاة الاستخارة؟
لا، ليس شرطاً، هذا من المفاهيم الشائعة الخاطئة، علامة القبول والتوفيق بعد الاستخارة تكون غالباً بانشراح الصدر وتيسير الأمور نحو ما فيه الخير، أو انقباض الصدر وظهور عوائق تصرفك عن الأمر إن كان فيه شر لك.
ماذا أفعل بعد أداء صلاة الاستخارة؟
بعد الاستخارة، عليك أن تتوكل على الله وتمضي في الأمر الذي استخرت فيه (مثل إتمام إجراءات الخطبة)، فإن كان خيراً، فسييسره الله لك، وإن كان شراً، فسيصرفه الله عنك ويصرفك عنه.
هل يجوز تكرار صلاة الاستخارة إذا بقيت الحيرة؟
نعم، يجوز تكرار صلاة الاستخارة إذا لم يتبين للمستخير شيء وبقيت حيرته، فالدعاء عبادة، وتكراره يدل على إلحاح العبد على ربه، وهو أمر مشروع ومحبوب إلى الله.

