الأبناء نعمةٌ عظيمة وهبةٌ ربانية، وصفهم الله تعالى في كتابه الكريم بأنهم زينة الحياة الدنيا، فقال سبحانه:
“الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا” [الكهف: 46]
، إن وجودهم يضفي على الحياة قيمة ومعنى، ولا يدرك عِظم هذه النعمة إلا من فُقِدها، لذلك، يجب على من رزقه الله بالذرية أن يكون شاكراً له بقلبه ولسانه وعمله، فالذرية أمانة ومسؤولية عظيمة تقع على عاتق الوالدين.
تبدأ التربية الصالحة من اللحظة الأولى، بتوجيه الأبناء نحو ما يرضي الله عز وجل، فالأبناء يتأثرون بالقدوة الحسنة والأفعال الصالحة قبل الأقوال، وفوق كل أسباب التربية، يبقى الدعاء هو السلاح الأقوى والوسيلة الأعظم لحفظهم وتوفيقهم وهدايتهم، فعندما يرفع الوالدان أكفَّهما بالدعاء، فإنهما يستودعان أبناءهما في رعاية الله وحفظه، ويفتحان لهم أبواب الخير والتوفيق بإذنه تعالى.
أدعية من القرآن الكريم والسنة النبوية لصلاح الأبناء
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة مباركة، ومنها:
- دعاء شامل لخيري الدنيا والآخرة: من الأدعية القرآنية الجامعة التي تشمل صلاح الأبناء دعاء عباد الرحمن:.
“رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا” [الفرقان: 74]
- دعاء لذرية صالحة: دعاء نبي الله زكريا عليه السلام:.
“رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ” [آل عمران: 38]
- دعاء بالصلاح والإصلاح:.
“رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ” [الأحقاف: 15]
- دعاء الحفظ من الشيطان: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين فيقول:
“أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ”
(رواه البخاري، حديث صحيح).

أدعية عامة ومأثورة لهداية الأبناء
إلى جانب الأدعية الواردة في القرآن والسنة، يجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من صيغ طيبة لا تخالف الشرع، ما دامت معانيها صحيحة، وهذه أمثلة لأدعية عامة يمكن الاستئناس بها:
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الطَّاهِرِ الطَّيِّبِ الْمُبَارَكِ الْأَحَبِّ إِلَيْكَ، الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، وَإِذَا سُئِلْتَ بِهِ أَعْطَيْتَ، وَإِذَا اسْتُرْحِمْتَ بِهِ رَحِمْتَ، وَإِذَا اسْتُفْرِجْتَ بِهِ فَرَّجْتَ، أَنْ تُصْلِحَ لِي أَبْنَائِي وَتَحْفَظَهُمْ بِحِفْظِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَبْنَائِي هُدَاةً مَهْدِيِّينَ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَكَرِّهْ إِلَيْهِمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْهُمْ مِنَ الرَّاشِدِينَ.
- رَبِّ، بَارِكْ لِي فِي أَوْلَادِي وَلَا تَضُرَّهُمْ، وَوَفِّقْهُمْ لِطَاعَتِكَ، وَارْزُقْنِي بِرَّهُمْ، اللَّهُمَّ يَا مُعَلِّمَ مُوسَى وَآدَمَ عَلِّمْهُمْ، وَيَا مُفَهِّمَ سُلَيْمَانَ فَهِّمْهُمْ، وَيَا مُؤْتِيَ لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ آتِهِمُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ.
- اللَّهُمَّ افْتَحْ عَلَيْهِمْ فُتُوحَ الْعَارِفِينَ، وَعَلِّمْهُمْ مَا جَهِلُوا، وَذَكِّرْهُمْ مَا نَسُوا، وَافْتَحْ عَلَيْهِمْ مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّكَ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
دعاء لهداية الأبناء وقت الشدة أو العناد
الذرية هبة من الله تعالى، كما قال سبحانه:
“لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ” [الشورى: 49-50]
.
تُذكّرنا هذه الآية بأن الأبناء عطاء من الله، واختبار الوالدين قد يكون في تربيتهم والتعامل مع تحدياتها، فإن واجه الوالدان صعوبة أو عناداً من أبنائهم، فالصبر والنصيحة والدعاء هي أنفع السبل، فدعاء الوالدين من أسباب الهداية والصلاح، وهو من الدعاء الذي يُرجى له القبول.

- اللَّهُمَّ اهْدِ أَبْنَائِي، وَثَبِّتْهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ، وَأَعِنِّي عَلَى تَرْبِيَتِهِمْ بِمَا يُرْضِيكَ، وَاجْعَلْهُمْ لِي مُطِيعِينَ غَيْرَ عَاصِينَ وَلَا عَاقِّينَ.
- يَا رَبِّ، أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ، وَنَجِّهِمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْهُمُ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْهُمْ مِنْ حَفَظَةِ كِتَابِكَ، وَدُعَاةٍ فِي سَبِيلِكَ، وَمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكَ، وَأَلْبِسْهُمْ مِنْ حُلَلِ الْإِيمَانِ وَالْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
- رَبِّ، اصْرِفْ عَنْهُمْ رُفَقَاءَ السُّوءِ، وَقَرِّبْ إِلَيْهِمْ الصُّحْبَةَ الصَّالِحَةَ الَّتِي تُعِينُهُمْ عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
فضل تربية البنات في الإسلام
أولى الإسلام عناية خاصة بالبنات، وجعل في الإحسان إليهن وتربيتهن أجراً عظيماً، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ، أَوِ ابْنَتَانِ، أَوْ أُخْتَانِ، فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ، وَاتَّقَى اللهَ فِيهِنَّ، فَلَهُ الْجَنَّةُ”
(رواه الترمذي، حديث حسن)، وهذا الحديث الشريف يبين أن العناية بالبنات وإحسان تربيتهن من أعظم أسباب دخول الجنة، ومن الأدعية التي يمكن الدعاء بها للبنات:
- اللَّهُمَّ اسْتُرْ بَنَاتِي، وَأَصْلِحْهُنَّ، وَاحْفَظْهُنَّ بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ.
- اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُنَّ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ.
- يَا رَبِّ، آتِ بَنَاتِي الْحِكْمَةَ، وَاجْعَلْهُنَّ مِنْ الصَّالِحَاتِ الْقَانِتَاتِ الْحَافِظَاتِ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْهُنَّ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُكَ وَخَاصَّتُكَ.
دعاء للأبناء بالتوفيق في الدراسة
الدعاء للأبناء بالنجاح والتوفيق في مسيرتهم التعليمية من أهم ما يحرص عليه الوالدان، فالعلم يرفع الدرجات في الدنيا والآخرة، وهذه بعض الأدعية النافعة في هذا الباب:
- اللَّهُمَّ أَلْهِمْ أَبْنَائِي رُشْدَهُمْ، وَأَعِذْهُمْ مِنْ شَرِّ أَنْفُسِهِمْ. اللَّهُمَّ عَلِّمْهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ، وَانْفَعْهُمْ بِمَا عَلَّمْتَهُمْ، وَزِدْهُمْ عِلْمًا.
- اللَّهُمَّ افْتَحْ عَلَى أَوْلَادِي أَبْوَابَ الْفَهْمِ وَالْعِلْمِ، وَيَسِّرْ لَهُمُ الصَّعْبَ، وَارْزُقْهُمْ قُوَّةَ الْحِفْظِ وَسُرْعَةَ الْفَهْمِ وَصَفَاءَ الذِّهْنِ.
- رَبِّ اشْرَحْ لَهُمْ صُدُورَهُمْ، وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُورَهُمْ، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ يَفْقَهُوا قَوْلَهُمْ..
- اللَّهُمَّ لَا سَهْلَ إِلَّا مَا جَعَلْتَهُ سَهْلًا، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ إِذَا شِئْتَ سَهْلًا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ فِي دِرَاسَتِهِمْ وَاخْتِبَارَاتِهِمْ وَاجْعَلْهُمْ مِنَ النَّاجِحِينَ الْمُتَفَوِّقِينَ.
المصادر والمراجع
- سورة الكهف، الآية 46.
- سورة الفرقان، الآية 74.
- سورة آل عمران، الآية 38.
- سورة الأحقاف، الآية 15.
- سورة الشورى، الآيتان 49-50.
- صحيح البخاري، حديث رقم 3371، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 1914، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هي أفضل الأوقات للدعاء للأبناء؟
يستحب الدعاء في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود أثناء الصلاة، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر، كما أن دعوة الوالد لولده من الدعوات المستجابة التي لا تُرَدُّ بإذن الله.
هل يجوز الدعاء للأبناء باللغة العامية أو بأي صيغة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بلغته وبأي صيغة يفتح الله بها عليه، ما دامت لا تحتوي على اعتداء في الدعاء أو معنى مخالف للشرع، والأفضل هو الجمع بين الأدعية المأثورة من القرآن والسنة والدعاء بما في قلبك من حاجات وبلغتك التي تعبر بها بصدق وإخلاص.
ابني عاصٍ، هل ينفع معه الدعاء؟
نعم بالتأكيد، الدعاء من أعظم أسباب الهداية، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، لا تيأس أبداً من الدعاء لولدك بالهداية والصلاح، مع الحرص على نصحه بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن تكون قدوة صالحة له، وألحَّ على الله بالدعاء، فإن الله لا يرد دعاء والد لولده.
بارك الله فيكم ويسعدكم في الدنيا والآخرة وجزاكم الله خيرا واللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين .
بارك الله فيكم ويسعدكم في الدنيا والآخرة وجزاكم الله خيرا واللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.