يُعَدُّ يوم النحر، وهو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة وأول أيام عيد الأضحى المبارك، من أعظم الأيام عند الله تعالى، يُمثّل هذا اليوم ذروة مناسك الحج، حيث يؤدي الحجيج معظم أركان الحج وأعماله، تذكيراً بقصة نبي الله إبراهيم عليه السلام واستسلامه لأمر ربه، في هذا اليوم المبارك، يتقرب المسلمون إلى الله تعالى بالأضاحي والذكر والدعاء، طمعاً في مغفرته ورضوانه.
تتكامل في يوم النحر أعمالٌ جليلة تبدأ من رمي جمرة العقبة، ثم النحر أو الذبح، يليه الحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة بالبيت الحرام، والسعي بين الصفا والمروة لمن لم يسعَ، هذه الأعمال تجسّد معاني التضحية والطاعة، وتُتوّج رحلة الحاج الإيمانية في أجواء روحانية عظيمة، مما يجعل الدعاء والذكر فيه من أفضل القربات.
الأذكار المشروعة في يوم النحر وأيام التشريق
إن أفضل ما يتقرب به العبد في هذه الأيام المباركة هو ذكر الله تعالى، وعلى رأسه التكبير، بالإضافة إلى الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حثّ النبي على الإكثار من الذكر في هذه الأيام.
فعن نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ.
(رواه مسلم، حديث صحيح)
لذلك، يُستحب الإكثار من ذكر الله تعالى وقراءة القرآن، والتكبير بصيغته المشروعة: “الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”.
أدعية مأثورة متعلقة بأعمال الحاج في يوم النحر
هناك بعض الأدعية والأذكار التي ارتبطت بأعمال الحاج في هذا اليوم، وهي مما ورد عن السلف الصالح ويُستحب الدعاء بها:
- عند الوصول إلى مِنى: يُستحب عند الوصول أن يدعو المسلم بما فيه خير له، وقد ورد عن بعض السلف الدعاء بصيغة: “اللَّهُمَّ هَذِهِ مِنَى قَدْ أَتَيْتُهَا، وَأَنَا عَبْدُكَ وَفِي قَبْضَتِكَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِمَا مَنَنْتَ بِهِ عَلَى أَوْلِيَائِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْحِرْمَانِ وَالْمُصِيبَةِ فِي دِينِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ”.
- عند رمي الجمرات: يقطع الحاج التلبية عند رمي جمرة العقبة، ويُكبّر مع كل حصاة يرميها قائلاً: “الله أكبر”، ولا يُشرع الوقوف للدعاء عند جمرة العقبة الكبرى بعد الرمي.
- عند ذبح الأضحية: من السنة عند الذبح أن يقول: “بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي”، وإذا كان يذبح عن غيره قال: “اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلان”.
- عند الحلق أو التقصير: يُستحب عند الحلق أن يُكبر ثلاثاً ويدعو: “الحَمْدُ للهِ عَلَى مَا هَدَانَا، وَالحَمْدُ للهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ هَذِهِ نَاصِيَتِي فَتَقَبَّلْ مِنِّي وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِلْمُحَلِّقِينَ وَالمُقَصِّرِينَ، يَا وَاسِعَ المَغْفِرَةِ”، وبعد الفراغ يقول: “الحَمْدُ للهِ الَّذِي قَضَى عَنَّا نُسُكَنَا، اللَّهُمَّ زِدْنَا إِيمَانًا وَيَقِينًا وَتَوْفِيقًا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ”.
صيغ مقترحة للدعاء العام في يوم النحر
يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من خيري الدنيا والآخرة، وهذه بعض الصيغ العامة التي تحمل معاني طيبة:
- اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ فِي هَذَا اليَوْمِ الفَضِيلِ مِنْ غَضَبِكَ وَسَخَطِكَ، وَمِنْ كُلِّ أَمْرٍ يُبْعِدُنِي عَنْ طَرِيقِ رِضَاكَ وَكَرَمِكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ تَنَالُهُمْ رَحْمَتُكَ وَيَعِيشُونَ فِي لُطْفِكَ وَعَفْوِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً تُصْلِحُ بِهَا شَأْنِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَارْحَمْنِي رَحْمَةً تَشْرَحُ بِهَا صَدْرِي، وَاهْدِنِي وَثَبِّتْنِي عَلَى طَرِيقِكَ المُسْتَقِيمِ، وَاجْعَلْنِي مِنَ التَّائِبِينَ الصَّادِقِينَ، وَاكْتُبْ لِي حُسْنَ الخَاتِمَةِ يَا كَرِيمُ.
- رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، [البقرة: 201]، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي اليَقِينَ الخَالِصَ بِكَ، وَوَفِّقْنِي لِلْعَمَلِ بِسُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاجْعَلْ حَيَاتِي مَمْلُوءَةً بِالبَرَكَةِ وَالخَيْرِ، آمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي أمثلة على الأدعية العامة التي يمكن الدعاء بها، ولم تثبت كنصوص محددة ليوم النحر بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، مع جواز الدعاء بما فيه خير للإنسان ما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم.
أهمية يوم النحر ومكانته في الإسلام
يوم النحر هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، ويُعرف بيوم “عيد الأضحى”، وتكمن عظمته في كونه يجمع بين عبادتين جليلتين: الحج والأضحية، فهو يوم الحج الأكبر الذي يقوم فيه الحجاج بمعظم مناسكهم، وهو يوم التضحية والفداء إحياءً لذكرى نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وتجسيداً لأعلى درجات الطاعة والاستسلام لأمر الله.
تتجلى أهمية يوم النحر في:
- إحياء سنة الخليل إبراهيم عليه السلام في الفداء والطاعة.
- ترسيخ قيم التضحية والإيثار والتكافل الاجتماعي بتوزيع لحوم الأضاحي.
- إظهار الوحدة بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
- التقرب إلى الله تعالى بأعظم القربات من صلاة وذبح وذكر ودعاء.
أبرز أعمال الحاج في يوم النحر
يؤدي الحاج في يوم النحر عدداً من المناسك المترابطة، والتي يُستحب أداؤها بالترتيب التالي:
- رمي جمرة العقبة: يبدأ الحاج أعماله برمي جمرة العقبة الكبرى بسبع حصيات، مكبراً مع كل حصاة.
- نحر الهدي: ثم يقوم بنحر هديه إن كان عليه هدي، وهو واجب على المتمتع والقارن.
- الحلق أو التقصير: بعد النحر، يحلق الحاج رأسه أو يقصّر شعره، والحلق أفضل للرجال، وبهذا يحصل التحلل الأول، فيباح له كل شيء كان محظوراً عليه بالإحرام إلا النساء.
- طواف الإفاضة: يتوجه الحاج بعد ذلك إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به، قال تعالى:
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ
[الحج: 29].
- السعي بين الصفا والمروة: يسعى الحاج بعد الطواف بين الصفا والمروة، وهو ركن أيضاً، وإن كان قد سعى بعد طواف القدوم (في حالة القارن والمفرد) فلا يلزمه سعي آخر.
بعد إتمام هذه الأعمال، يحصل للحاج التحلل الثاني، فتحل له جميع محظورات الإحرام بما في ذلك النساء.
المصادر والمراجع
- سورة الحج، الآية 29.
- صحيح مسلم، حديث رقم 1141، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- مناسك الحج والعمرة، لابن عثيمين.
الأسئلة الشائعة
ما هو أفضل الذكر في يوم النحر وأيام التشريق؟
أفضل الذكر هو التكبير، بصيغته المشروعة: “الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”، ويُستحب الإكثار منه ومن سائر الأذكار كالتسبيح والتحميد والتهليل وقراءة القرآن.
هل هناك دعاء محدد وثابت ليوم النحر؟
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء خاص محدد ليوم النحر نفسه، ولكن يُشرع للمسلم أن يدعو بما شاء من الأدعية المأثورة في القرآن والسنة، وبما يفتح الله عليه من خيري الدنيا والآخرة، لأن هذه الأيام من مواطن إجابة الدعاء.
ما حكم الأدعية المنتشرة التي لم ترد في السنة؟
يجوز الدعاء بأي صيغة ليس فيها محظور شرعي (مثل الإثم أو قطيعة الرحم)، ولكن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، لأنها جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وهي من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.

