يُعَدُّ استيداعُ الله عز وجل للنفس والأهل والمال من أعظم صور التوكل واليقين به، فالمؤمن يُسلم أموره كلها لخالقه، موقنًا بأنه خير الحافظين، ويأتي دعاء “أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ الَّذِي لَا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ” كأحد الأدعية النبوية المباركة التي تُجسّد هذا المعنى العظيم، حيث يطلب العبد من ربه الحفظ والرعاية فيما يحرص عليه.
الصيغة الصحيحة لدعاء الاستيداع وفضله في السنة النبوية
ورد دعاء الاستيداع في السنة النبوية الشريفة بصيغ محددة وسياقات واضحة، وهو يدل على عظيم فضل من استودع اللهَ شيئًا، فإنه سبحانه لا يخيب من رجاه ولا يرد من دعاه.
فضل استيداع الله تعالى
إن من أعظم ما يدل على فضل هذا الدعاء هو الثقة بأن الله سبحانه يحفظ ما يُستودع عنده، وقد جاء في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“إِنَّ اللَّهَ إِذَا اسْتُودِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ.”
المصدر: مسند الإمام أحمد، وصححه الألباني، هذا الحديث أصل عظيم في الباب، ويُبيّن أن كل ما يُجعل في عهدة الله ورعايته، فإن الله يتولى حفظه بقدرته وعنايته.
صيغ الدعاء الواردة في السنة
هناك صيغتان رئيسيتان وردتا عن النبي صلى الله عليه وسلم في سياق الاستيداع، خاصة عند السفر والوداع:
- دعاء المقيم للمسافر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ودّع رجلاً قال:
“أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ.”
المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح.
- دعاء المسافر للمقيم: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً، قال لمن يتركهم من أهله:
“أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ الَّذِي لَا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ.”
المصدر: سنن ابن ماجه، وصححه الألباني.
ويمكن للمسلم أن يستخدم الصيغة العامة “استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه” لنفسه وأهله وماله وكل ما يهمه، قياسًا على عموم فضل الاستيداع وثقةً بحفظ الله تعالى.
أدعية صحيحة للحفظ والتحصين من القرآن والسنة
إلى جانب دعاء الاستيداع، هناك العديد من الأدعية والآيات القرآنية الثابتة التي تُعد من أقوى أسباب الحفظ والتحصين بإذن الله تعالى، من أبرزها:
- آية الكرسي: وهي أعظم آية في القرآن الكريم، ومن قرأها حين يمسي أُجير من الشياطين حتى يصبح، ومن قرأها حين يصبح أُجير منهم حتى يمسي.
“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ…” [البقرة: 255]
.
- المعوذتان وسورة الإخلاص: قراءة هذه السور الثلاث صباحًا ومساءً ثلاث مرات تكفي من كل شيء، كما ورد في الحديث الصحيح.
- دعاء “أعوذ بكلمات الله التامات”: وهو من أذكار الصباح والمساء والنزول في مكان جديد، فعن خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
“مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ.”
المصدر: صحيح مسلم.
- دعاء “بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء”: فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَيَضُرَّهُ شَيْءٌ.”
المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن.
أمثلة على صيغ وأدعية عامة منتشرة للحفظ
يتداول بعض الناس صيغًا وأدعية عامة بقصد التحصين والحماية، وهي تحمل معاني طيبة في مجملها، من هذه الصيغ:
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمَالِي، فَاحْفَظْنَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ.
- يَا مَنْ لَا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ، وَيَا مَنْ لَا يَخِيبُ رَجَاؤُهُ، نَسْتَوْدِعُكَ أَنْفُسَنَا وَذُرِّيَّاتِنَا وَكُلَّ غَالٍ عَلَيْنَا، فَاحْفَظْنَا بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ، وَنَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَنَا فِي حِرْزِكَ وَكَنَفِكَ وَأَمَانِكَ.
- اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا كَيْدَ الْكَائِدِينَ، وَحَسَدَ الْحَاسِدِينَ، وَسِحْرَ السَّاحِرِينَ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُمْ تَدْمِيرًا عَلَيْهِمْ.
تنبيه هام حول الأدعية غير المأثورة
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الكيفية، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ففيها الكفاية والبركة والخير العظيم، ويجوز الدعاء بأدعية عامة تحمل معاني صحيحة ما لم تتضمن مخالفة شرعية، لكن الأفضل والأكمل هو لزوم المأثور.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 255 (آية الكرسي).
- مسند الإمام أحمد، حديث رقم 5607، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3444 و 3591، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، حديث رقم 2825، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2708، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو فضل دعاء “استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه”؟
فضله عظيم، حيث ورد في الحديث الصحيح “إِنَّ اللَّهَ إِذَا اسْتُودِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ”، مما يعني أن الله يتولى بحفظه ورعايته ما يوكله إليه العبد بيقين وتوكل.
متى يقال هذا الدعاء؟
ورد في السنة النبوية أن المقيم يقول للمسافر “أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ…”، وأن المسافر يقول للمقيم “أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ الَّذِي لَا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ”، ويمكن للمسلم استعماله في كل وقت لحفظ نفسه وأهله وماله.
هل هناك بدائل صحيحة لأدعية التحصين المنتشرة؟
نعم، الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية والآيات الواردة في القرآن والسنة، مثل قراءة آية الكرسي، والمعوذات، ودعاء “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق”، ودعاء “بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء…”، فهي ثابتة وصحيحة وفيها كفاية وبركة.
ما حكم الدعاء بصيغ لم ترد في السنة؟
يجوز الدعاء بأي صيغة تحمل معنى صحيحًا ولا تخالف الشرع، ولكن الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأعظم أجرًا والأقرب للإجابة، لأنها جامعة للمعاني ومباركة.


