الدعاء للمريض من أعظم القربات وسببٌ لنيل رحمة الله تعالى وعافيته، وقد حثنا الشرع الحنيف على التراحم والتآزر بين المسلمين، ومن أهم مظاهر ذلك الدعاء للمرضى بقلبٍ صادق ويقين بالإجابة، وفي هذا السياق، يبرز التمييز بين الأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الأفضل والأكمل، وبين الصيغ العامة التي يدعو بها الناس والتي تحمل معاني طيبة ومشروعة.
أدعية الشفاء الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي ذلك الخير والبركة واتباع السنة، ومن الأدعية الصحيحة الثابتة لشفاء المريض:
- دعاء النبي عند زيارة المريض: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضًا يقول:
“لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.”
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 3616).
- الدعاء بوضع اليد على مكان الألم: عن عثمان بن أبي العاص الثقفي، أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ، ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ.”
(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2202).
- الرقية بدعاء “أذهب البأس”: عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضًا أو أُتي به، قال:
“أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا.”
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 5675).
- الدعاء سبع مرات: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ، فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلَّا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ.”
(المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 3106، وصححه الألباني).
صيغ شائعة للدعاء للمرضى
تنتشر بين الناس صيغ وأدعية عامة لطلب الشفاء للمرضى، وهي وإن لم ترد بنصها في السنة، إلا أن معناها صحيح وجائز، من أشهر هذه الصيغ دعاء “اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين”.
- اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِينَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا. اللَّهُمَّ يَا مَنْ وَسِعَتْ رَحْمَتُكَ كُلَّ شَيْءٍ، أَنْزِلْ رَحْمَتَكَ وَشِفَاءَكَ عَلَى كُلِّ مَرِيضٍ يَتَأَلَّمُ.
- اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِينَ، وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى المُسْلِمِينَ. يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَبْسُطَ رَحْمَتَكَ عَلَى كُلِّ مَرِيضٍ، وَأَنْ تَشْمَلَ مَنْ رَحَلُوا عَنَّا بِمَغْفِرَتِكَ.
- اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلَى العَافِيَةِ، اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِينَ. يَا مَنْ بِيَدِكَ الشِّفَاءُ وَمِنْكَ تُفَرَّجُ الكُرُبَاتُ، نَسْأَلُكَ أَنْ تُنْزِلَ عَافِيَتَكَ عَلَى كُلِّ عَلِيلٍ، وَأَنْ تَمْنَحَهُمُ الصَّبْرَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ.
ما حكم دعاء “اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين”؟
يُعد هذا الدعاء جائزًا ومشروعًا، وهو من الأدعية الطيبة التي تحمل معاني الخير والرحمة لعموم المسلمين، وعلى الرغم من أن هذه الصيغة الكاملة لم ترد في حديث نبوي محدد، إلا أن معناها يتوافق مع أصول الشريعة الإسلامية التي تحث على الدعاء للمؤمنين.
والدعاء عبادة عظيمة، وبابه واسع ما لم يتضمن اعتداءً أو محظورًا شرعيًا، وقد استدل العلماء على مشروعية الدعاء لعموم المسلمين بأدلة كثيرة، منها:
- قوله تعالى حكاية عن دعاء نوح عليه السلام:
“رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ” [نوح: 28]
.
- ما ورد في الحديث:
“مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً.”
(حسنه الألباني في صحيح الجامع).
هذه النصوص وغيرها تُظهر فضل الدعاء لعموم المسلمين، ودعاء “اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين” يندرج تحت هذا الأصل العام.
شرح معاني الدعاء
قول الداعي “اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِينَ” هو توجه خالص إلى الله تعالى، وإقرار بأن الشفاء بيده وحده، وهو يتضمن:
- التوسل إلى الله باسمه “الشافي”: إقرار بأن الله سبحانه هو الشافي الحقيقي، وأن الأدوية والأطباء مجرد أسباب.
- شمولية الدعاء: لا يقتصر الدعاء على المريض القريب، بل يمتد ليشمل كل مسلم مريض، مما يعزز رابطة الأخوة الإيمانية ويجلب الأجر للداعي.
- طلب الشفاء التام: عبارة “شفاءً لا يغادر سقمًا” مقتبسة من الدعاء النبوي، وتعني طلب شفاء كامل لا يترك أثرًا للمرض.
أدعية عامة للمريض في أوقات الشدة
يمكن للمسلم أن يدعو للمريض بأي صيغة طيبة، خاصة في أوقات استجابة الدعاء، ومن الأدعية العامة التي يمكن الدعاء بها للمريض، خاصة من هو في العناية المركزة أو في حالة حرجة:
- اللَّهُمَّ يَا مُفَرِّجَ الكَرْبِ، وَيَا مُجِيبَ دَعْوَةِ المُضْطَرِّينَ، نَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، أَنْ تَمُنَّ عَلَيْهِ بِالشِّفَاءِ العَاجِلِ، وَأَنْ تَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ سَالِمًا مُعَافًى.
- اللَّهُمَّ اكْفِهِ بِرُكْنِكَ الَّذِي لَا يُرَامُ، وَاحْرُسْهُ بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَاحْفَظْهُ بِعِزِّكَ الَّذِي لَا يُضَامُ، يَا رَبَّ العَالَمِينَ، أَنْتَ ثِقَتُهُ وَرَجَاؤُهُ.
- لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ العَلِيُّ العَظِيمُ، نَسْأَلُكَ يَا رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ أَنْ تَرْفَعَ عَنْهُ البَلَاءَ، وَأَنْ تُلْبِسَهُ ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ.
آيات وأدعية الرقية الشرعية للشفاء
القرآن الكريم شفاء ورحمة للمؤمنين، والرقية الشرعية من أعظم أسباب الشفاء بإذن الله، وتكون بقراءة آيات من القرآن وأدعية مأثورة على المريض.
آيات من القرآن الكريم:
- سورة الفاتحة: تُقرأ وتُكرر، فهي رقية عظيمة.
- المعوذتان (الفلق والناس) وسورة الإخلاص..
- آية الكرسي:
“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ…” [البقرة: 255]
.
- آيات الشفاء:
-
“وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ” [التوبة: 14]
.
-
“وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ” [يونس: 57]
.
-
“يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ” [النحل: 69]
.
-
“وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” [الإسراء: 82]
.
-
“وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ” [الشعراء: 80]
.
-
“قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ” [فصلت: 44]
.
-
أدعية مأثورة للرقية:
- دعاء جبريل عليه السلام:
“بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ.”
(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2186).
- الاستعاذة بكلمات الله التامات:
“أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ.”
(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2708).
المصادر والمراجع
- سورة نوح، الآية 28.
- سورة البقرة، الآية 255.
- سورة التوبة، الآية 14.
- سورة يونس، الآية 57.
- سورة النحل، الآية 69.
- سورة الإسراء، الآية 82.
- سورة الشعراء، الآية 80.
- سورة فصلت، الآية 44.
- صحيح البخاري، أحاديث رقم 3616 و 5675، (يمكن مراجعتها على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، أحاديث رقم 2202، 2186، 2708، (يمكن مراجعتها على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 3106، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- كتاب “صحيح الجامع الصغير وزياداته”، للألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
- ما هو أفضل دعاء للمريض؟
أفضل الأدعية هي ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: “أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي…” و “أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ” سبع مرات. - هل يجوز الدعاء بصيغة “اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين”؟
نعم، يجوز الدعاء بهذه الصيغة، هي من الدعاء العام الذي يحمل معنى طيبًا ويتوافق مع مقاصد الشريعة في الدعاء لعموم المسلمين، وإن كانت هذه الصيغة المحددة لم ترد في السنة. - ما هي أوقات استجابة الدعاء التي يُستحب فيها الدعاء للمريض؟
يُستحب تحري أوقات الإجابة مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر. - هل الرقية الشرعية تغني عن العلاج الطبي؟
لا، الرقية الشرعية سبب للشفاء، والأخذ بالأسباب المادية من علاج طبي وتناول الدواء هو سبب آخر، المسلم يجمع بين السببين، فيتوكل على الله ويدعوه ويرقي نفسه، ويأخذ بالعلاج الذي أباحه الله.
