يُعَدُّ حمدُ الله تعالى والثناءُ عليه من أعظم العبادات وأجلِّ القربات التي يحرص عليها المسلم، فالشكر والحمد لله هما مفتاح كل خير، وسببٌ لدوام النعم وزيادتها، كما قال تعالى في كتابه الكريم:
“وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ” [إبراهيم: 7]
، إنَّ إدراك العبد لنعم الله التي لا تُحصى، من صحةٍ وسترٍ وهدايةٍ، يدفعه ليكون لسانه رطباً بذكر الله وحمده في كل حين، وفي السراء والضراء.
والحمدُ يورث القلب سكينةً وطمأنينة، ويملؤه رضا ويقيناً، فهو اعترافٌ من العبد بفضل المنعم سبحانه، وإقرارٌ بكماله وجلاله، وفي هذا السياق، سنستعرض الأدعية الثابتة في حمد الله، ونوضح حكم بعض الصيغ المنتشرة، مع التركيز على المنهج الشرعي الصحيح.
أدعية الحمد والثناء الثابتة في القرآن والسنة
إن خير ما يُحمد به الله تعالى هو ما علّمنا إياه في كتابه، أو ما ورد على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فهذه الصيغ هي الأكمل معنى والأعظم أجراً، ومن هذه الأدعية المباركة:
- سيد الاستغفار وجامع الحمد: عن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ”
، (صحيح البخاري، حديث رقم 6306)، هذا الدعاء يتضمن الاعتراف بنعم الله وهو من أجمع صيغ الثناء.
 - دعاء النبي ﷺ في قيام الليل: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد:
“اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحَقُّ…”
، (صحيح البخاري، حديث رقم 1120).
 - أفضل الدعاء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“أفضلُ الذكرِ لا إلهَ إلا اللهُ، وأفضلُ الدعاءِ الحمدُ للهِ”
، (سنن الترمذي، حديث رقم 3383، حديث حسن).
 - كلمات تملأ الميزان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ”
، (صحيح مسلم، حديث رقم 223).
 
صيغ شائعة في الحمد: “الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه”
تنتشر بين الناس بعض الصيغ التي يعبرون بها عن حمدهم لله، ومنها عبارة “الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه”، وهذه الصيغة وغيرها تُقال بنية تعظيم الحمد لله وإيصاله إلى أقصى غاياته، ومن الأمثلة على هذه الصيغ المتداولة:
- “الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، الحَمْدُ لِلَّهِ حَتّى يَرْضَى، والحَمْدُ لِلَّهِ إِذَا رَضِيَ، والحَمْدُ لِلَّهِ بَعْدَ الرِّضَا، الحَمْدُ لِلَّهِ حَتّى يَبْلُغَ الحَمْدُ مُنْتَهَاهُ.”.
 - “اللّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كُلُّهُ، وإِلَيْكَ يَرْجِعُ الأَمْرُ كُلُّهُ، عَلانِيَتُهُ وسِرُّهُ، فَأَهْلٌ أَنْتَ أَنْ تُحْمَدَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ حَتّى يَبْلُغَ الحَمْدُ مُنْتَهَاهُ.”.
 - “الحَمْدُ لِلَّهِ بِعَدَدِ خَلْقِهِ، ورِضَا نَفْسِهِ، وزِنَةِ عَرْشِهِ، ومِدَادِ كَلِمَاتِهِ، الحَمْدُ لِلَّهِ حَتّى يَبْلُغَ الحَمْدُ مُنْتَهَاهُ.”.
 
تنبيه هام وحكم هذه الصيغة
تنبيه هام: الصيغ المذكورة أعلاه، بما فيها عبارة “حتى يبلغ الحمد منتهاه”، هي مما يتداوله بعض الناس للتعبير عن مدى حمدهم لله، ولم تثبت هذه الصيغة بلفظها المحدد في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من أصحابه.
الدعاء والذكر عبادات توقيفية، والأصل فيها هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية ومباركة، وتحتوي على جوامع الكلم وأكمل المعاني، ومع ذلك، فإن الدعاء بهذه الصيغة أو ما شابهها من باب الإخبار عن عظيم حمد العبد لربه، وبنية حسنة، لا يُعد بدعة، ما لم يُعتقد أن لها فضلاً خاصاً أو أنها سنة مأثورة، فالأولى والأفضل دائماً هو لزوم الأدعية المأثورة الثابتة.
فضل الحمد لله وثواب الحامدين
إن الإكثار من حمد الله له فضائل عظيمة وثمرات جليلة تعود على العبد في الدنيا والآخرة، وقد دلت على ذلك نصوص شرعية صحيحة:
- زيادة النعم والبركات: الشكر والحمد سبب مباشر للحفاظ على النعم الموجودة وجلب المزيد منها، لقوله تعالى:.
 
“لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ” [إبراهيم: 7]
- ثقل الميزان يوم القيامة: كلمة “الحمد لله” خفيفة على اللسان، لكنها ثقيلة في الميزان، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم:
“والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ”
(صحيح مسلم).
 - أحب الكلام إلى الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“أَحَبُّ الكَلامِ إلى اللهِ أرْبَعٌ: سُبْحانَ اللهِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ”
(صحيح مسلم).
 - غراس الجنة: كلما حمد العبد ربه، كان له بذلك غراس في الجنة، مما يزيد من نعيمه ودرجاته فيها.
 
أدعية جامعة للحمد والشكر
يمكن للمسلم أن يدعو بأدعية عامة تجمع بين الحمد والشكر والثناء على الله بما هو أهله، وهذه بعض الأمثلة:
- “اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلى العافِيَةِ، ولَكَ الحَمْدُ والشُّكْرُ عَلى جَمِيعِ نِعَمِكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ بِها عَلَيْنا، ما عَلِمْنَا مِنْها وما لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلالِ وَجْهِكَ وعَظِيمِ سُلْطانِكَ.”.
 - “الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، الحَمْدُ لِلَّهِ عَلى نِعْمَةِ الإِسْلامِ وكَفَى بِها نِعْمَةً.”.
 - “الحَمْدُ لِلَّهِ فِي السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، والحَمْدُ لِلَّهِ عَلى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلى ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبادَتِكَ.”.
 - “الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصّالِحاتُ، نَحْمَدُكَ يا رَبَّنا عَلى ما قَضَيْتَ، ونَشْكُرُكَ عَلى ما أَعْطَيْتَ، ونَسْتَغْفِرُكَ لِما قَصَّرْنا فِيهِ.”.
 
المصادر والمراجع
- سورة إبراهيم، الآية 7.
 - صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - صحيح البخاري، حديث رقم 1120، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - سنن الترمذي، حديث رقم 3383، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - صحيح مسلم، حديث رقم 223، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - صحيح مسلم، حديث رقم 2695، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 
أسئلة شائعة
س: هل صيغة “الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه” بدعة؟
ج: لا تعتبر بدعة إذا قيلت كدعاء عام للتعبير عن عظيم الحمد لله، ولكن لا يجوز اعتقاد أنها سنة مأثورة أو أن لها فضلاً خاصاً، لأنها لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، الأفضل هو الالتزام بالأدعية الثابتة.
س: ما هو أفضل ما يقال في حمد الله؟
ج: أفضل ما يقال هو ما ورد في القرآن والسنة، مثل “الحمد لله رب العالمين”، ودعاء النبي ﷺ: “اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض…”، وقول “الحمد لله” التي تملأ الميزان، و “سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته”.
س: متى يُستحب الإكثار من الحمد؟
ج: يُستحب حمد الله في كل وقت وحين، ويتأكد استحبابه في مواطن معينة مثل: بعد الأكل والشرب، وعند الاستيقاظ من النوم، وبعد العطاس، وفي أذكار الصباح والمساء، وبعد الصلوات، وعند رؤية ما يسر العبد، وحتى عند رؤية ما يكرهه فيقول: “الحمد لله على كل حال”.
		
