إن تحقيق النجاح والتفوق هو من أعظم نعم الله تعالى على عبده، وهو ثمرة الجهد والسعي الممزوج بتوفيق الله وتيسيره، والمؤمن الحق هو من ينسب الفضل دائمًا إلى خالقه، فيلهج لسانه بالحمد والشكر، ويسجد قلبه خضوعًا وامتنانًا، إن التعبير عن الشكر لله لا يقتصر على كونه اعترافًا بالنعمة، بل هو عبادة جليلة تفتح أبواب المزيد من الخير والبركة، وتحفظ النعم من الزوال.
أدعية وأذكار مشروعة عند تحقق النجاح
الأصل في العبادات، ومنها الدعاء والذكر، هو الاتباع والالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وهذه بعض الأدعية والأذكار المأثورة التي يُستحب للمسلم أن يقولها عند حصول ما يسره من نجاح أو توفيق:
1، الذكر النبوي عند حصول ما يسر
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أتاه أمر يسعده، حمد الله بصيغة محددة تعترف بأن كل الصالحات تتم بنعمة الله وحده.
“كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ الْأَمْرُ يَسُرُّهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ”
المصدر: سنن ابن ماجه، حديث حسن.
وهذا الذكر هو أفضل ما يُقال في هذا المقام، فهو يجمع بين الحمد والاعتراف بأن تمام النعم والصالحات لا يكون إلا بفضل الله ومنّته.
2، سجود الشكر
من السنن الفعلية العظيمة عند حصول نعمة متجددة أو اندفاع نقمة هو “سجود الشكر”، وهو سجدة واحدة دون تكبير أو تسليم، يقول فيها المسلم ما يقوله في سجود الصلاة مثل “سبحان ربي الأعلى” ثم يحمد الله ويدعوه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد شكرًا لله عند حصول ما يبشره ويسره.
3، دعاء طلب العون على الشكر
يمكن للمسلم أن يدعو بالأدعية القرآنية التي تجمع بين طلب الشكر والعمل الصالح، وهي مناسبة جدًا عند النجاح لطلب الدوام على الطاعة.
“رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ” [النمل: 19].
هذا الدعاء المبارك هو من دعاء نبي الله سليمان عليه السلام، وفيه طلب التوفيق لأداء شكر النعمة واستخدامها في طاعة الله.
صيغ منتشرة لحمد الله وشكره على النجاح
إلى جانب الأدعية المأثورة، يتداول الناس العديد من عبارات الحمد والثناء التي تعبر عن فرحتهم بالنجاح، وهذه الصيغ، وإن كانت جائزة من حيث المعنى العام، إلا أن الأفضل هو الالتزام بالوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الأمثلة على هذه الصيغ الشائعة:
- الحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وهبَني التفوُّقَ بفضلهِ وكرمهِ، فلهُ الحمدُ كما ينبغي لجلالِ وجههِ وعظيمِ سلطانه.
- يا ربِّ، لكَ الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملءَ السماواتِ وملءَ الأرضِ وملءَ ما بينهما، على ما أنعمتَ به عليَّ من نجاحٍ وتوفيق.
- الحمدُ للهِ أولًا وآخرًا، ظاهرًا وباطنًا، الحمدُ للهِ الذي لم يخيّب رجائي وأكرمني بفرحةِ النجاح بعد طولِ اجتهاد.
- تَحَقَّقَتْ بِفَضْلِكَ الدَّعَوَاتُ وَتَكَلَّلَتْ بِالنَّجَاحِ المَسَاعِي، فَالْحَمْدُ لَكَ يَا رَبِّ عَلَى عَطَائِكَ الَّذِي فَاقَ التَّوَقُّعَاتِ.
- الحمدُ للهِ الذي أثلجَ صدري وأسعدَ قلبي، ورزقني فرحةً أنستني كل تعب، فلكَ الحمدُ يا الله حتى يبلغَ الحمدُ منتهاه.

تنبيه هام وحكم هذه الصيغ
توضيح شرعي: الصيغ المذكورة أعلاه هي من قبيل الثناء العام على الله، ويجوز للمسلم أن يحمد الله بها وبما يفتح عليه من عبارات الشكر التي لا تخالف الشرع، ومع ذلك، يجب التنبيه إلى أنه لا يجوز اعتقاد فضل خاص أو أجر معين لهذه الصيغ بحد ذاتها، أو تخصيصها بوقت أو عدد معين، لأن ذلك يدخل في باب الابتداع، ويبقى دائمًا الذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم (“الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات”) هو الأكمل والأفضل والأعظم أجرًا.
فضل الحمد والشكر في القرآن والسنة
لقد عظّم الله تعالى شأن الحمد والشكر في كتابه الكريم، وجعل لهما منزلة رفيعة، ورتب عليهما جزاءً عظيمًا في الدنيا والآخرة.
- سبب لزيادة النعم: وعد الله الشاكرين بالمزيد من فضله، وهو وعد إلهي لا يتخلف.
“وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ” [إبراهيم: 7].
.
- عبادة يحبها الله: الشكر هو اعتراف بالمنعم، وهو من صفات الأنبياء والصالحين الذين يحبهم الله ويرضى عنهم.
- أفضل الدعاء: بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحمد هو من أفضل أنواع الدعاء والذكر.
“أَفْضَلُ الذِّكْرِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ”
المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن.
- يملأ الميزان: لعظم كلمة “الحمد لله”، فإنها تملأ ميزان العبد بالحسنات يوم القيامة.
“..، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ…”
المصدر: صحيح مسلم.

إن إدراك المسلم لهذه الفضائل يجعله يُعوّد لسانه على الحمد في كل حال، سواء في السراء أو الضراء، وعند كل نعمة تتحقق، مدركًا أن النجاح الحقيقي هو توفيق من الله يستوجب شكرًا يليق به.

المصادر والمراجع
- سورة النمل، الآية 19.
- سورة إبراهيم، الآية 7.
- حديث “الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات”، (يمكن مراجعته في سنن ابن ماجه، وحسنه الألباني).
- حديث “أفضل الدعاء الحمد لله”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي، وحسنه الألباني).
- حديث “والحمد لله تملأ الميزان”، (يمكن مراجعته في صحيح مسلم، كتاب الطهارة).
- (يمكن مراجعة أحاديث سجود الشكر في موسوعات الحديث الموثوقة مثل موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة
ما هو أفضل دعاء يقال عند النجاح؟
أفضل ما يقال هو الذكر المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند حصول ما يسره: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ”، كما يُسن “سجود الشكر” لله تعالى.
هل يجوز أن أحمد الله بكلمات من عندي؟
نعم، يجوز للمسلم أن يحمد الله ويثني عليه بأي صيغة لا تحتوي على محظور شرعي، فباب الثناء على الله واسع، ولكن، يظل الالتزام بالأدعية والأذكار المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأعظم أجرًا.
ما هو الفرق بين الحمد والشكر؟
الحمد أعم من الشكر، فالحمد يكون باللسان ثناءً على المحمود بصفاته الكاملة وأفعاله الحسنة، سواء كان ذلك في مقابل نعمة أم لا، أما الشكر فيكون أعم من جهة أنواعه (بالقلب واللسان والجوارح) وأخص من جهة متعلقه، فهو لا يكون إلا في مقابل نعمة، فكل شاكر حامد، وليس كل حامد شاكرًا.