يُمثل السعي بين الصفا والمروة ركنًا أساسيًا من أركان الحج والعمرة، وهو من المواطن المباركة التي يُستجاب فيها الدعاء، وقد شرع الله تعالى هذا النسك بقوله في كتابه الكريم:
“إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ” [البقرة: 158].
وهذا يدل على أن السعي بين هذين الموضعين من شعائر الله العظيمة، لذا، ينبغي للمسلم أن يغتنم هذا الوقت الثمين في ذكر الله، والتضرع إليه، وسؤاله من خيري الدنيا والآخرة، متبعًا في ذلك هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
الذكر والدعاء المشروع في السعي (وفق السنة النبوية)
إن أفضل ما يلتزم به المسلم في عباداته هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وردت أذكار وأدعية محددة عند الوقوف على الصفا والمروة، بينما تُرك الدعاء مطلقًا أثناء المشي بينهما ليختار المسلم ما يشاء من الأدعية الجامعة.
1، الذكر عند الوقوف على الصفا والمروة أول مرة
ثبت في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه الذي وصف فيه حجة النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لما دنا من الصفا قرأ: “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ”، ثم قال: “أبدأ بما بدأ الله به”، ثم رقي على الصفا حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحّد الله وكبّره، وقال:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ”.
ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، (رواه مسلم)، ويفعل على المروة مثلما فعل على الصفا.
2، الدعاء أثناء المشي بين الصفا والمروة
لم يثبت دعاء محدد عن النبي صلى الله عليه وسلم يُقال أثناء المشي في أشواط السعي، فيجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية، أو يقرأ القرآن، أو يذكر الله بالتسبيح والتهليل والاستغفار، ومن أفضل الأدعية التي يمكن الإكثار منها لشمولها وعظيم فضلها:
- الدعاء القرآني الجامع:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”، [البقرة: 201]
.
- عند الهرولة بين الميلين الأخضرين:يُستحب للرجال الهرولة (الإسراع في المشي) بين العلامتين الخضراوين، وقد ورد عن بعض السلف، كابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما، أنهم كانوا يقولون في هذا الموضع:
“رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ”.
.
أدعية عامة جامعة يمكن الدعاء بها أثناء السعي
تنبيه هام: الأدعية التالية هي أمثلة لأدعية جامعة للخير، ولم يثبت تخصيصها للسعي بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، الأصل هو الالتزام بالوارد عند الصفا والمروة، ثم الدعاء بما يفتح الله به على العبد من خيري الدنيا والآخرة خلال أشواط السعي، وهذه الأدعية من النماذج الطيبة لذلك.
- دعاء العفو والعافية:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي”، (حديث صحيح، رواه أبو داود).
.
- دعاء صلاح الشأن:
“يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ”، (حديث حسن، رواه النسائي).
.
- دعاء سؤال الخير كله:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ”، (جزء من حديث صحيح، رواه ابن ماجه).
.
- دعاء الهداية والتقى:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى”، (حديث صحيح، رواه مسلم).
.
- أدعية جامعة أخرى:
- “اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا، وَمِنْ خَلْفِي نُورًا، وَمِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا”، (متفق عليه).
- “رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي”.
- “اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ”.
- “اللَّهُمَّ ثَبِّتْنِي بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ”.
ما يقال عند انتهاء السعي
لم يرد دعاء مخصص عند الانتهاء من الشوط السابع من السعي، والأولى أن يختم المسلم سعيه على المروة بالذكر والدعاء كما بدأ به على الصفا، فيستقبل القبلة، ويكبّر الله ويوحّده ويدعوه، ثم ينصرف بعد ذلك إلى التقصير أو الحلق وبه تتم العمرة.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 158.
- سورة البقرة، الآية 201.
- صحيح مسلم، حديث رقم 1218، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 5090، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- السنن الكبرى للنسائي، حديث رقم 10620، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، حديث رقم 3846، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2721، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول الدعاء في السعي
- هل هناك دعاء محدد لكل شوط في السعي؟
- لا، لم يثبت في السنة النبوية دعاء مخصص لكل شوط من أشواط السعي، الأمر فيه سعة، فيدعو المسلم بما يشاء من الأدعية الجامعة للخير.
- ما هو الدعاء الصحيح عند الهرولة بين الميلين الأخضرين؟
- يُستحب للرجال الهرولة في هذا الموضع، وقد ورد عن بعض الصحابة كابن مسعود وابن عمر قول: “رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ”، وهو دعاء حسن يمكن ترديده.
- هل يجوز قراءة القرآن أثناء السعي؟
- نعم، يجوز قراءة القرآن الكريم أثناء السعي، فهو من أفضل أنواع الذكر، ويجوز كذلك التسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار، فكل ذلك من ذكر الله تعالى.
- ماذا أفعل عند إتمام الشوط السابع؟
- عندما تنهي الشوط السابع على المروة، يُسن لك أن تستقبل القبلة وتذكر الله وتدعوه كما فعلت في بداية السعي، ثم تذهب للتقصير (قص جزء من الشعر) أو الحلق (للرجال)، وبذلك تكون قد أتممت نسك العمرة.


