في أوقات النوازل والشدائد، يجد المسلم ملاذه في اللجوء إلى الله تعالى، فالدعاء هو العبادة وسلاح المؤمن، وقد شهد العالم فترة استثنائية أُغلقت فيها بيوت الله؛ استجابةً للأخذ بالأسباب الشرعية لحفظ الأنفس أثناء انتشار الأوبئة، وهو ما يذكرنا بما ورد في السنة النبوية حين كان يُنادى في اليوم المطير:
“أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ”
(متفق عليه)، وفي هذا السياق، يكثر البحث عن أدعية لرفع البلاء وعودة الحياة إلى طبيعتها.
أدعية صحيحة ومأثورة لرفع البلاء والوقاية من الأمراض
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة لكل خير ومباركة، ومن الأدعية الثابتة التي يُشرع للمسلم أن يدعو بها للوقاية من الأمراض ورفع البلاء:
- دعاء التحصين من سيء الأسقام: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:
 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ” (رواه أبو داود، وصححه الألباني). 
- دعاء الاستعاذة من الشرور: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 “مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَيَضُرَّهُ شَيْءٌ” (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح). 
- دعاء عند الشعور بالألم: عند الشعور بألم أو خوف من مرض، يُسن وضع اليد على موضع الألم وقول: “بِسْمِ اللَّهِ” (ثلاث مرات)، ثم قول:
 “أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ” (سبع مرات)، (رواه مسلم). 
صيغ دعاء شائعة لرفع البلاء وعودة فتح المساجد
إلى جانب الأدعية المأثورة، يتداول الناس صيغاً دعائية عامة تعبر عن شوقهم لبيوت الله ورجائهم في كشف الغمة، الدعاء بابه واسع ما لم يتضمن محذوراً شرعياً، ومن هذه الصيغ المنتشرة:
- اللَّهُمَّ أَعِدْ لِمَسَاجِدِنَا نُورَهَا وَرُوحَهَا، اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهَا خَالِيَةً مِنْ عُمَّارِهَا، اللَّهُمَّ اكْشِفِ الضُّرَّ وَادْفَعِ الْبَلَاءَ، وَارْفَعْ عَنَّا الْوَبَاءَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ ذُنُوبُنَا سَبَبًا فِي مَنْعِنَا مِنْ صَلَاةٍ تُقَامُ فِي بُيُوتِكَ، فَاغْفِرْ لَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا وَاهْدِنَا سُبُلَ الرَّشَادِ، وَاحْفَظْ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ.
- رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ، اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَقَدْ رُفِعَ الْبَلَاءُ، وَفُتِحَتِ الْمَسَاجِدُ، وَعُدْنَا نُصَلِّي فِيهَا التَّرَاوِيحَ آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ.
- اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا هَذَا الْوَبَاءَ، وَقِنَا شَرَّ الدَّاءِ، وَنَجِّنَا مِنَ الطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ وَالْبَلَاءِ بِلُطْفِكَ يَا لَطِيفُ، يَا خَبِيرُ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس للتعبير عن مشاعرهم ورجائهم، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير.
الحكم الشرعي في إغلاق المساجد وقت الأوبئة
أثار قرار إغلاق المساجد في بعض الظروف الاستثنائية تساؤلات لدى الكثيرين، وقد أوضحت الهيئات الشرعية المعتبرة أن هذا الإجراء له أصل في الشريعة الإسلامية، وهو يندرج تحت قاعدة “الأخذ بالأسباب” ومقصد “حفظ النفس”، وهو أحد المقاصد الكبرى للشريعة.
فالشريعة الإسلامية تجيز التخلف عن صلاة الجماعة والجمعة لوجود عذر معتبر، ومن هذه الأعذار الخوف والمرض، وقد استدل العلماء على ذلك بحديث ابن عباس رضي الله عنهما:
“مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنِ اتِّبَاعِهِ، عُذْرٌ “، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟ قَالَ: ” خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ، لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلاَةُ الَّتِي صَلَّى”
(رواه أبو داود، وصححه الألباني).
فإذا كان الخوف أو المرض عذراً للفرد، فمن باب أولى أن يكون انتشار وباء يهدد حياة المجتمع سبباً مشروعاً لاتخاذ تدابير وقائية كالإغلاق المؤقت للمساجد، حفاظاً على الأرواح ومنعاً لتفاقم الضرر، وهذا يتوافق مع روح الشريعة ومقاصدها العامة.
خاتمة: بين الصبر والدعاء
إن ما يمر به المسلم من ابتلاءات هو اختبار لصبره وإيمانه، وفرصة للعودة إلى الله بقلب صادق، وإن حُرم المسلم من صلاة الجماعة في المسجد لعذر شرعي، فإن أجره محفوظ بنيته الصادقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا”
(رواه البخاري).
فليكن لسان حالنا الرضا بقضاء الله، مع الإلحاح في الدعاء وحسن الظن به، فالله تعالى قريب مجيب، ووعد عباده بالفرج بعد الشدة، كما قال في كتابه الكريم:
“فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)”
[سورة الشرح: 5-6].
المصادر والمراجع
- صحيح البخاري، حديث رقم 666، وحديث رقم 2996، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 699، وحديث رقم 2202، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 1554، وحديث رقم 551، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3388، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سورة الشرح، الآيتان 5-6.
أسئلة شائعة
ما هو الدعاء الصحيح للوقاية من الأمراض والأوبئة؟
من أصح الأدعية المأثورة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ”، (رواه أبو داود وصححه الألباني).
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لفتح المساجد؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من الأدعية الطيبة التي ليس فيها اعتداء أو مخالفة شرعية، كأن يسأل الله رفع البلاء وعودة الصلاة في المساجد، ولكن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة، فهي أكثر بركة وأجمع للخير.
ما هو الموقف الشرعي من إغلاق المساجد وقت انتشار الأوبئة؟
الموقف الشرعي المعتبر هو أن إغلاق المساجد مؤقتاً أثناء انتشار الأوبئة الخطيرة هو إجراء جائز شرعاً، لأنه يهدف إلى تحقيق مقصد شرعي عظيم وهو “حفظ النفس”، والشريعة تبيح التخلف عن الجماعة لعذر الخوف أو المرض، فانتشار الوباء عذر أكبر وأشمل.
 
		
