يُعَدُّ الدعاء من أعظم العبادات التي تُقوّي صلة العبد بربه، فهو تعبيرٌ عن التوكل الحقيقي واليقين بأن الخير كله بيد الله عز وجل، ومن الأدعية التي انتشرت بين الناس لما تحمله من معانٍ إيمانية عميقة، دعاء “اللَّهُمَّ لَا تُعَلِّقْ قَلْبِي بِمَا لَيْسَ لِي”، هذا الدعاء يلامس حاجة النفس البشرية إلى الرضا بقضاء الله وقدره، والاطمئنان إلى اختياره سبحانه.
إنَّ تعلُّق القلب بما لم يُكتب له يُورث الهم والحزن، بينما التسليم لله يورث السكينة والطمأنينة، لذا، فإنَّ لجوء المسلم إلى ربه بأن يصرف عن قلبه التعلق بغيره، وأن يرزقه الرضا بما قسمه له، هو أساس راحة القلب واستقراره، ويُستحب للمسلم أن يُكثر من الدعاء في الأوقات التي تُرجى فيها الإجابة، مثل أوقات السَّحَر، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، فإنها لحظات قرب ومناجاة مباركة.
دعاء “اللَّهُمَّ لَا تُعَلِّقْ قَلْبِي بِمَا لَيْسَ لِي”: معناه وحكمه الشرعي
هذا الدعاء هو صيغة عامة تحمل معنى صحيحاً وجليلاً، ففيه سؤال الله تعالى أن يحفظ القلب من التعلق بالأشياء أو الأشخاص الذين لم يقدرهم له في علمه سبحانه، وأن يرزقه القناعة والرضا بما كتبه له، وهو تعبير عن تفويض الأمر كله لله والإيمان بحكمته في المنع والعطاء.
حكمه الشرعي: دعاء “اللهم لا تعلق قلبي بما ليس لي” هو من الأدعية العامة التي لم ترد بنصها في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة، ومع ذلك، يجوز الدعاء به وبأمثاله ما دام معناه صحيحاً ولا يخالف أصلاً من أصول الشريعة الإسلامية، فالأصل في الدعاء الإباحة ما لم يتضمن محذوراً شرعياً، والأولى والأكمل هو الالتزام بالأدعية المأثورة الواردة في الكتاب والسنة، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة وأعظم بركة.
أدعية مأثورة من القرآن والسنة تحمل معنى الرضا والتسليم
القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة زاخران بالأدعية الجامعة التي تُعلِّم المسلم كيفية سؤال الله والتوكل عليه، ومن الأدعية التي تحمل معنى طلب الخير والرضا بقضاء الله:
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة من القرآن الكريم:
 “وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201]. وهذا الدعاء من أجمع الأدعية للخير، حيث يسأل العبد ربه خير الدنيا والآخرة. 
- دعاء الاستخارة لطلب الخيرة من الله: وهو الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الأمور كلها، وفيه تفويض كامل لله ليختار للعبد ما هو خير له، ومنه:
 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ” (رواه البخاري). . 
- دعاء لطلب الهداية والثبات:
 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى” (رواه مسلم). فمن رزقه الله هذه الأربع، فقد حاز خيراً عظيماً يعينه على الرضا بما قدره الله له. 
تصاميم وصور دعاء “اللهم لا تعلق قلبي بما ليس لي”
تحمل الصور التي تتضمن هذا الدعاء رسالة إيمانية تدعو إلى السكينة والتسليم لله، وتُستخدم كوسيلة للتذكير بأهمية الرضا بالقضاء والقدر.
صيغ وأدعية عامة للمساعدة على صرف القلب عن التعلق بغير الله
إلى جانب الدعاء المذكور، يمكن للمسلم أن يدعو الله بصيغ أخرى تحمل ذات المعنى، سائلًا ربه أن يعينه على الرضا والتسليم.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي أدعية عامة مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وجامعة للخير.
- اللَّهُمَّ اصرف عن قلبي كل انتظارٍ يختم بالخذلان، ولا تجعلني أتعلق بشيءٍ لم تكتبه لي بحكمتك.
- اللَّهُمَّ يا كريم، أرشدني للخير واكفني تعلق نفسي بما تعلم أنه ليس فيه خيرٌ لي، ودلّني دومًا على السبيل الذي يُرضيك عني.
- يا رب، أسألك أن تبعد عن طريقي كل أمرٍ لا نصيب لي فيه، وأن تكتب لي الخير الذي تطمئن به نفسي ويُرضيك عني.
- اللَّهُمَّ ارزقني بصيرة الخير، ولا تجعلني أتعلق بما لا أستطيع تحقيقه، واهدني دائمًا لما فيه صلاح أمري وقدري.
- يا ربّ، ارزقني من لطفك الفرج، وألهمني الصبر، وثبّت قلبي ليكون قويًا أمام كل ابتلاء.
- اللَّهُمَّ اجعل محبتي لك وحدك، ولا تعلق نفسي بما في أيدي عبادك، وارزقني الإخلاص في خوفي منك وحبي لك كما يليق بجلالك.
- يا رب، لا تجعل الدنيا أكبر همّي، ولا مبلغ علمي، ولا تجعل مصيبتي في ديني، واغنني بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك.
أوقات يُرجى فيها استجابة الدعاء
أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى تحري أوقات وأحوال معينة يكون الدعاء فيها أقرب إلى الإجابة، بشرط حضور القلب وصدق النية، ومن هذه الأوقات المباركة:
- أثناء السجود في الصلاة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
 “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ” (رواه مسلم). . 
- بين الأذان والإقامة: لقوله صلى الله عليه وسلم:
 “الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ” (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح). . 
- في الثلث الأخير من الليل: حيث ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله، فيقول:
 “مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ” (متفق عليه). . 
- قبل التسليم من الصلاة: بعد التشهد الأخير، فهو موطن للدعاء بما شاء المسلم من خيري الدنيا والآخرة قبل إنهاء الصلاة.
- ساعة الإجابة يوم الجمعة: وهي ساعة أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الاستخارة، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب الذكر والدعاء في العسر واليسر، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
هل دعاء “اللهم لا تعلق قلبي بما ليس لي” صحيح ومأثور؟
هذا الدعاء صحيح في معناه، حيث يدعو المسلم ربه أن يرزقه الرضا والقناعة، لكنه ليس مأثوراً، أي أنه لم يرد بهذا اللفظ في القرآن أو السنة النبوية الصحيحة، ويجوز الدعاء به، ولكن الأفضل هو الحرص على الأدعية المأثورة الجامعة مثل دعاء الاستخارة والأدعية القرآنية والنبوية.
ما هو البديل الصحيح والمأثور لهذا الدعاء؟
أفضل بديل هو دعاء الاستخارة، لأنه تفويض كامل لله ليختار للعبد ما هو خير له في دينه ودنياه، ويصرف عنه ما هو شر له، ثم يرضيه باختياره سبحانه.
ما هو الوقت الأفضل لقول هذا النوع من الأدعية؟
يمكن الدعاء به في أي وقت، ولكن يُستحب تحري أوقات إجابة الدعاء التي وردت في السنة، مثل السجود، والثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، فهي أوقات مباركة يُرجى فيها القبول من الله تعالى.
 
		
