يُمثّل شهر الله المُحرّم فاتحة السنة الهجرية، ويحمل في طياته دلالات إيمانية وتاريخية عميقة، فهو لا يرمز فقط لبداية عام جديد، بل يستحضر ذكرى الهجرة النبوية المباركة، الحدث الذي شكّل نقطة تحول في مسار الدعوة الإسلامية بانتقال النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، حيث أُسست نواة الدولة الإسلامية الأولى، وقد أرسى هذا الحدث العظيم قيم الإخاء والتكافل والإيمان في مجتمع المدينة المنورة، وبفقهٍ وعمق بصيرة، جعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من الهجرة أساساً للتقويم الإسلامي، ليظل هذا الحدث منارة خالدة في وعي الأمة.

ويرتبط التقويم الهجري بالدورة القمرية، مما يجعل مواقيت العبادات كالصيام والحج مرتبطة بمنازل القمر، وهي منظومة زمنية ربانية تُعزز صلة المسلم بالزمن من منظور إيماني، وتُذكّره بأن كل يوم هو فرصة لتجديد النية، وإحياء السنن، وتعظيم شعائر الله.

أدعية قرآنية ونبوية جامعة لخيري الدنيا والآخرة

لم يثبت في السنة النبوية دعاء مخصص لاستقبال العام الهجري، ولكن الدعاء خير كله، والمسلم يدعو ربه في كل وقت وحين، والأفضل هو الدعاء بالأدعية الجامعة المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي أكمل وأعظم بركة، وهذه بعض الأمثلة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها في بداية عامه وفي كل أوقاته:

1، الدعاء بخيري الدنيا والآخرة (من القرآن الكريم)

هذا الدعاء من أجمع الأدعية للخير، وقد كان من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.

“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”

المصدر: [سورة البقرة: 201].

2، دعاء صلاح الأمور كلها (من السنة النبوية)

دعاء نبوي عظيم يسأل الله فيه العبد صلاح دينه ودنياه وآخرته.

“اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ”

المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2720.

3، سيد الاستغفار (من السنة النبوية)

خير ما يبدأ به العبد عامه هو تجديد التوبة والاستغفار، وسيد الاستغفار هو أفضل صيغة لذلك.

“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ”

المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306.

صيغ وأدعية عامة منتشرة لاستقبال العام الهجري

تنتشر بين الناس بعض الأدعية والصيغ التي اعتادوا على الدعاء بها في بداية العام الهجري، وهذه بعض الأمثلة منها:

• اللَّهُمَّ في هذه السنة الهجرية الجديدة، نَسألك من فضلك العظيم أن تُوفّقنا لما تُحبّه وترضاه، وأن تجعل عبادتنا وطاعتنا خالصة لوجهك الكريم، وأن تُتمّ علينا خير أمور هذه السنة، وتبارك لنا في أيامنا، وتَفيض علينا ببركاتك، وتحفظنا من كل شر، واجعلها يا أرحم الرّاحمين سنة طمأنينة وفرح وسلام.
• يا رب، مع بداية هذا العام الجديد، نسألك أن تُجنّبنا وساوس الشيطان، وأن تُعيننا على أنفسنا الأمّارة بالسوء، وأن تملأ قلوبنا بحبّك، وتشغلنا بكل عملٍ يُقرّبنا إليك يا ذا الجلال والإكرام.
• اللَّهُمَّ اجعل العام الهجري الجديد بداية خيرٍ ونور وبركة، واحفظنا فيه من شرور الدنيا ومصائبها، ونجّنا من كل سوء، واصرف عنا المتاعب والهموم، ووفقنا يا رب لما فيه رضاك، وأعنّا على الثبات على دينك.
• يا الله، اجعل هذه السنة مليئة بالفرح والسكينة، واملأها براحة البال، واحفظ أحبابنا، وقرّبنا من كل خير، وحقق لنا أمانينا، واغمرنا بفضلك وعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية الطيبة التي لا تحتوي على محظور شرعي، دون أن ينسبها للسنة أو يعتقد أن لها فضلاً خاصاً في هذا اليوم تحديداً.

حكم تخصيص دعاء معين ببداية العام الهجري

أكد أهل العلم على أن تخصيص بداية العام الهجري بعبادة معينة (كدعاء مخصوص، أو صلاة، أو صيام) لم يرد به دليل شرعي من الكتاب أو السنة، واعتقاد أن لهذا الوقت عبادة مخصصة يُعد من الأمور المحدثة، أما الدعاء بشكل عام دون تخصيص أو اعتقاد بسنيته في هذا اليوم فهو مشروع، فالمسلم يدعو ربه في كل وقت وحين، ويسأله من خيري الدنيا والآخرة.

أدعية عامة للأصدقاء والأحبة

• بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إني أسألك في هذا العام الجديد لي ولأحبتي أن تغفر لنا ما مضى، وتبارك لنا فيما بقى، وأن تجعلنا من التائبين المستغفرين، يا أرحم الراحمين.
• اللَّهُمَّ أنِر قلوبنا وقلوبهم، واهدِ بصائرنا، واجعلنا ممن يحرصون على طاعتك، ويتبعون سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، وثبتنا على طريقه يا رب العالمين.
• اللهم يا قاضي الحاجات، ويا مجيب الدعوات، اقضِ ديوننا، وأغنِنا بحلالك عن حرامك، وارزقنا رزقًا واسعًا، وحقق لنا آمالنا في الدنيا والآخرة يا أكرم الأكرمين.
• اللَّهُمَّ اجعل هذا العام الجديد عام خير وبركة علينا وعلى جميع المسلمين، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أهمية التقويم الهجري في الحضارة الإسلامية

يُعَدُّ التقويم الهجري ذا أهمية بالغة في حياة المسلم، فهو المرجع الزمني الذي تُنظَّم على أساسه العبادات والشعائر الإسلامية، فمع تطور الحياة البشرية، ازدادت الحاجة لوجود نظام زمني دقيق لتنظيم المعاملات وتوثيق الأحداث، وقد وفر التقويم الهجري هذا التنظيم، حيث أتاح للمسلمين وسيلة دقيقة لتسجيل تاريخهم ورصد محطات حياتهم، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من هويتهم الحضارية وسنداً رئيسياً في إدارة شؤونهم الدينية والدنيوية.

الاحتفاء بحلول رأس السنة الهجرية

تُعد رأس السنة الهجرية مناسبة جليلة في قلوب المسلمين، وتختلف مظاهر الاستبشار بها بين الشعوب الإسلامية وفقًا لعاداتها، ففي بعض البلدان، تظهر مظاهر الفرح العامة، بينما في بلدان أخرى، مثل المملكة العربية السعودية، يغلب الطابع الروحاني، حيث تُعطى إجازة رسمية، وتُعقد الدروس الدينية في المساجد للتذكير بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأهمية حدث الهجرة، مع التركيز على العبادات والقرب من الله تعالى.

المصادر والمراجع

الأسئلة الشائعة

ما هو الدعاء الصحيح لبداية العام الهجري؟

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء مخصص يُقال في بداية العام الهجري، والأفضل هو الدعاء بالأدعية الجامعة من القرآن والسنة الصحيحة، مثل “ربنا آتنا في الدنيا حسنة…”، أو دعاء “اللهم أصلح لي ديني…”.

هل الاحتفال برأس السنة الهجرية مشروع؟

تخصيص هذا اليوم باحتفال له طقوس معينة لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام، أما استشعار أهمية هذا اليوم وتذكر حدث الهجرة وأخذ العبرة منه، فهو أمر طيب ومطلوب في كل وقت.

ما هو أفضل ما يمكن فعله في بداية العام الجديد؟

أفضل ما يبدأ به المسلم عامه هو محاسبة النفس على ما مضى، والتوبة الصادقة، والعزم على الاستقامة في العام الجديد، والإكثار من الأعمال الصالحة كالدعاء والذكر والصدقة وقراءة القرآن.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر