الدعاء هو من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، وهو الصلة المباشرة بين العبد وربه، وقد بيّنت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مكانة الدعاء وأهميته، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ”

(رواه الترمذي، حديث حسن)، والله سبحانه وتعالى قريب مجيب، ووعد عباده بالاستجابة، فقال عز وجل:

“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ”

[غافر: 60]، وتكون الإجابة على ثلاث صور كما ورد في السنة: إما أن يُعجّل الله للداعي ما سأل، أو يدّخر له من الخير في الآخرة، أو يصرف عنه من السوء بمثل دعوته، مما يؤكد أن دعاء المؤمن لا يضيع أبداً.

الأدعية الصحيحة الثابتة عند الاستيقاظ من النوم

ورد في السنة النبوية المطهرة أدعية وأذكار ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص عليها عند استيقاظه، وهي تمثل خير ما يبدأ به المسلم يومه، من أبرز هذه الأدعية الصحيحة:

1، الدعاء الأساسي عند الاستيقاظ

هذا هو أشهر وأصح ما ورد في هذا الباب، وهو ما كان يواظب عليه النبي ﷺ فور استيقاظه من نومه.

• عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: «باسمك أموت وأحيا»، وإذا استيقظ من منامه قال:
  

  “الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أحْيَانَا بَعْدَ مَا أمَاتَنَا وإلَيْهِ النُّشُورُ”

  (رواه البخاري، حديث صحيح).

شرح موجز: في هذا الدعاء حمدٌ وشكرٌ لله على نعمة إحياء الجسد بعد النوم الذي هو “موتة صغرى”، وتذكير بالبعث والنشور يوم القيامة.

2، دعاء من استيقظ في منتصف الليل (التعارّ من الليل)

ورد فضل عظيم لمن استيقظ في الليل فقال ذكرًا معينًا ثم دعا، حيث يُرجى له الإجابة.

• عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
  

  “مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ”

  (رواه البخاري، حديث صحيح).

3، دعاء شكر الله على العافية

هذا الدعاء يتضمن شكر الله على ثلاث نعم عظيمة: سلامة الجسد، وإعادة الروح، والتمكين من ذكره.

• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
  

  “إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ”

  (رواه الترمذي، حديث حسن).

صيغ وأدعية عامة منتشرة

يتداول بعض الناس صيغًا معينة للدعاء في مناسبات مختلفة، مثل الدعاء للاستيقاظ لصلاة الفجر، هذه الأدعية، وإن كانت معانيها صحيحة، إلا أنها لم ترد بهذه الصيغة المخصصة في السنة النبوية، يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية الطيبة التي لا تخالف الشرع.

مثال على دعاء عام للاستيقاظ لصلاة الفجر:

اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمُعِينُ فَلَا مُعِينَ إِلَّا أَنْتَ، أَعِنَّا يَا رَبَّنَا عَلَى قِيَامِ صَلَاةِ الْفَجْرِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِعَمَلٍ يُرْضِيكَ، وَارْزُقْنَا نَصِيبًا فِي إِقَامَةِ صَلَوَاتِكَ لِنَكُونَ مِنَ الْمَقْبُولِينَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي بُكُورِنَا وَأَعِنَّا عَلَى أَدَاءِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي وَقْتِهَا.

تنبيه هام وإخلاء مسؤولية

تنبيه هام: هذه الصيغة هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها الخير والبركة، ويجوز للمسلم الدعاء بأي صيغة طيبة لا تحتوي على محظور شرعي، دون تخصيصها بوقت أو فضل لم يرد به دليل.

أوقات وأحوال يُرجى فيها إجابة الدعاء

هناك أوقات وأحوال تكون أقرب لإجابة الدعاء كما دلت النصوص الشرعية، ويستحب للمسلم تحريها والحرص عليها:

• الثلث الأخير من الليل: وقت التنزل الإلهي، حيث ينادي الرب: “هل من داعٍ فأستجيب له؟”.
• بين الأذان والإقامة: فقد ورد أن الدعاء في هذا الوقت لا يُرد.
• في السجود: لقول النبي ﷺ: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء”.
• آخر ساعة من يوم الجمعة: وهي ساعة إجابة على أرجح أقوال أهل العلم.
• عند نزول المطر: فهو وقت رحمة تُفتح فيه أبواب السماء.
• يوم عرفة: لقوله ﷺ: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة”.
• في شهر رمضان: خاصة عند الإفطار وفي ليلة القدر.

آداب الدعاء وشروط استجابته

للدعاء آداب تزيد من فرصة قبوله، منها:

• الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصًا لوجه الله وحده.
• الثناء على الله والصلاة على النبي: البدء بحمد الله والثناء عليه، ثم الصلاة على النبي محمد ﷺ.
• اليقين بالإجابة وحضور القلب: أن يدعو المسلم وهو موقن بأن الله سيستجيب، مع حضور قلبه وخشوعه.
• الإلحاح في الدعاء: تكرار الدعاء وعدم الاستعجال في طلب الإجابة.
• الطهارة واستقبال القبلة: من الآداب المستحبة أن يكون الداعي على طهارة ومستقبلاً القبلة.
• أكل الحلال: طيب المطعم والمشرب من أعظم أسباب إجابة الدعاء.
• اجتناب المعاصي: فإن الذنوب قد تكون سببًا في حجب الدعاء.

أبرز الأخطاء الشائعة عند الدعاء

ينبغي على المسلم تجنب بعض الأخطاء التي قد تمنع قبول دعائه، ومنها:

• الاعتداء في الدعاء: كالدعاء بإثم أو قطيعة رحم، أو طلب المستحيلات عادةً.
• الدعاء على النفس أو الأهل أو المال: فقد يوافق ساعة إجابة فيقع ما دعا به.
• استعجال الإجابة واليأس: كأن يقول: “دعوتُ فلم يُستجب لي”، وهو من موانع الإجابة.
• الغفلة وعدم حضور القلب: فالله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ.
• التوسل المبتدع: كالتوسل بذات المخلوقين أو بجاههم، والمشروع هو التوسل بأسماء الله وصفاته أو بالأعمال الصالحة.
• التكلف في السجع ورفع الصوت: فالمطلوب هو الخشوع والتضرع، لا المبالغة وتصنع الكلام.

أسئلة شائعة (FAQs)

س: ما هو أصح دعاء عند الاستيقاظ من النوم؟
ج: أصح ما ورد هو قول: “الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أحْيَانَا بَعْدَ مَا أمَاتَنَا وإلَيْهِ النُّشُورُ”، كما ثبت في صحيح البخاري.

س: هل يجوز أن أدعو بصيغة من عندي للاستيقاظ لصلاة الفجر؟
ج: نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من الأدعية الطيبة التي لا إثم فيها ولا اعتداء، كطلب العون على الطاعة، لكن لا يجوز اعتقاد أن هذه الصيغة لها فضل خاص أو أنها سنة عن النبي ﷺ ما لم يثبت ذلك بدليل صحيح.

س: ما هو أفضل وقت للدعاء خلال اليوم؟
ج: كل أوقات الدعاء خير، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها الإجابة أكثر من غيرها، وأفضلها هو الثلث الأخير من الليل، وكذلك في السجود، وبين الأذان والإقامة، وآخر ساعة من يوم الجمعة.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر