الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى الله سبحانه وتعالى، فهو وسيلة لطلب رحمته وسؤاله التوفيق والرزق في كل حين، يرفع العبد يديه إلى ربه داعيًا متضرعًا، متيقنًا بالإجابة، طاعةً لله وامتثالًا لأمره، كما قال جل وعلا في كتابه الكريم:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60]
فمن دعا الله بصدق وإخلاص استجاب له؛ لأنه أطاع أمره واتبع عبادته.
فهم الحروف المقطعة وحكم الدعاء بها
تثير الحروف المقطعة في أوائل بعض السور، مثل “كهيعص”، تساؤلات عديدة لدى المسلمين، فيما يلي توضيح لأهم الأحكام والآراء العلمية المتعلقة بها:
- ما هو سر الحروف المقطعة؟ اختلف العلماء في تفسيرها على عدة أقوال، وأصحها هو أن علمها عند الله وحده، وقد نُقل عن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يرون أن هذه الحروف من أسرار القرآن التي استأثر الله بعلمها، فالواجب الإيمان بها كما وردت وتلاوتها كما هي، مع عدم الخوض في تأويلها بشكل قاطع.
- هل “كهيعص” من أسماء الله الحسنى؟ وردت بعض الآثار عن بعض الصحابة كابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما تشير إلى أن بعض هذه الحروف قد تكون من أسماء الله، لكن هذا الأمر ليس محل إجماع، ولم يثبت بنص صريح قاطع من القرآن أو السنة الصحيحة، لذا، يبقى الأمر في دائرة الاجتهادات التفسيرية التي لا يُبنى عليها حكم قطعي.
- ما حكم الدعاء بـ “كهيعص” أو بصيغ مشابهة؟ الدعاء عبادة توقيفية، أي أن الأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من صحابته الكرام أنه استخدم هذه الحروف في الدعاء، لذلك، لا يجوز التعبد بالدعاء بها، لأنها ليست دعاءً مشروعًا ولا تحمل معنى واضحًا يمكن التوجه به إلى الله.
صيغ منتشرة وأدعية لا أصل لها
يتداول بعض الناس أدعية وصيغًا لم تثبت في مصادر التشريع الإسلامي الموثوقة، من أمثلة ذلك ما يُعرف بـ “دعاء الحروف الهجائية”، والذي يأتي على النحو التالي:
- (اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مِنْ أَلِفِ الْقُرْآنِ أُلْفَةً وَمِنَ الباءِ بَصِيرَةً وَمِنَ التاءِ تَقْوَى…).
- وكذلك بعض العبارات مثل: (بسم الله بابنا، تبارك حيطاننا، يس سقفنا، كهيعص كفايتنا…).
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها غنية عن الأدعية المبتدعة أو التي لا أصل لها.
أدعية عامة جامعة للخير
بدلاً من الصيغ غير الثابتة، يمكن للمسلم أن يدعو بأدعية عامة تجمع خيري الدنيا والآخرة، وهي مأثورة وذات معنى عظيم، مثل:
- سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ.
- يَا اللهُ، يَا اللهُ، يَا اللهُ، نَدْعُوكَ دُعَاءَ الْمُنْكَسِرِ الَّذِي خَضَعَ لِعَظَمَتِكَ، وَذَلَّ لِقُوَّتِكَ، وَتَوَاضَعَ لِجَلالِكَ، يَا أَجْوَدَ مَنْ أَعْطَى، وَأَكْرَمَ مَنْ وَهَبَ، ارْحَمْنَا وَتَقَبَّلْ مِنَّا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.
- اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فضائل الدعاء وآثاره في حياة المسلم
للدعاء منزلة عظيمة وآثار جليلة في حياة المسلم، فهو من أعظم العبادات التي تُقرب العبد من ربه وتمنحه السكينة، وهذه بعض فضائله المستمدة من المصادر الشرعية:
- عبادة يحبها الله: الدعاء هو العبادة، وهو دليل على توحيد العبد وإيمانه بقدرة الله المطلقة، وقد حث الله عليه ووعد بالإجابة، وترك سؤاله سبحانه قد يكون سببًا في غضبه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ” (حديث حسن، رواه الترمذي).
.
- سبب لدفع البلاء ونيل الرحمة: الدعاء وسيلة عظيمة لطلب رحمة الله ورفع البلاء، فالله سبحانه يستجيب لعبده الصادق، إما بأن يعجل له دعوته، أو يدخرها له في الآخرة، أو يصرف عنه من السوء مثلها.
- قوة نفسية وسكينة للقلب: يمنح الدعاء المسلم قوة في مواجهة المحن، ويبعث الطمأنينة في قلبه، ويرفع عنه الهموم والكروب، مما يجعله أكثر صبرًا وثباتًا.
- نصرة للمظلوم: دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، فالدعاء هو ملاذ كل من وقع عليه ظلم، والله ناصر المستضعفين ولو بعد حين.
- زيادة المحبة بين المسلمين: عندما يدعو المسلم لأخيه بظهر الغيب، فإن الملائكة تؤمن على دعائه وتدعو له بمثل ما دعا، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم:
“دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّما دَعَا لأَخِيهِ بخَيْرٍ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بهِ: آمِينَ وَلَكَ بمِثْلٍ” (صحيح مسلم).
.
- غاية التواضع والافتقار إلى الله: الدعاء هو إقرار من العبد بحاجته الدائمة إلى الله، مما يغرس في القلب التواضع والخضوع لله، ويحفظ النفس من الكبر والغرور.
ليكون الدعاء مستجابًا، يُرجى أن يصدر من قلبٍ مخلصٍ خاشع، وأن يكون الداعي ملازمًا لربه في السراء والضراء، محسنًا الظن بالله ومتيقنًا بالإجابة.
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 60.
- حديث “من لم يسأل الله يغضب عليه”، (رواه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، حديث رقم 3373)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب”، (صحيح مسلم، حديث رقم 2733)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما حكم الدعاء بالحروف المقطعة مثل “كهيعص”؟
لا يجوز الدعاء بالحروف المقطعة، لأن الدعاء عبادة، والأصل فيها الاتباع لما ورد في القرآن والسنة، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابته أنهم دعوا بهذه الحروف، ومعناها غير معلوم على وجه اليقين.
هل دعاء الحروف الهجائية (اللهم ارزقنا من ألف القرآن ألفة…) صحيح؟
هذا الدعاء ليس له أصل في السنة النبوية، ويعتبر من الأدعية المبتدعة التي لم ترد عن السلف الصالح، والأفضل للمسلم الالتزام بالأدعية المأثورة الصحيحة.
ما هي الأدعية الصحيحة التي يمكنني الالتزام بها؟
القرآن والسنة مليئان بالأدعية الجامعة المباركة، مثل: “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201]، ودعاء سيد الاستغفار، وأدعية الصباح والمساء، والأدعية الواردة في تفريج الكروب وقضاء الحوائج.

