إنَّ حمدَ الله تعالى والثناءَ عليه من أعظم العبادات التي يتقرَّب بها العبدُ إلى ربه، فهو اعترافٌ بالفضل، وشكرٌ للنعمة، وإقرارٌ بكمال الخالق وجلاله، والتوكُّل على الله والاستعانة به في كل الأمور هو سبيل العزة والطمأنينة، فالمؤمن يجد في مناجاة ربه سكينةً لا يجدها في الاعتماد على الخلق، وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة العديد من الصيغ المباركة لحمد الله والثناء عليه، وهي الكافية الشافية التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها.
في هذا المقال، نستعرض الأدعية الصحيحة الثابتة، ونوضح كيفية شكر الله تعالى على نعمه التي لا تُحصى.
أدعية الحمد والثناء الثابتة في القرآن والسنة
الأصل في الدعاء والذكر هو الالتزام بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أعلم الناس بربه وأفضلهم ثناءً عليه، ومن هذه الأدعية الصحيحة:
- دعاء النبي ﷺ في قيام الليل: وهو من أجمع الأدعية في الثناء على الله.
«اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ لكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ الحَقُّ ووَعْدُكَ الحَقُّ، ولِقَاؤُكَ حَقٌّ، وقَوْلُكَ حَقٌّ، والجَنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حَقٌّ، والنَّبِيُّونَ حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ…»
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1120، (حديث صحيح).
- دعاء الكرب: وفيه ثناء عظيم على الله بأسمائه وصفاته.
«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ»
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6346، (حديث صحيح).
- دعاء سيد الاستغفار: وهو يجمع بين الاعتراف بالربوبية والعبودية والنعمة والذنب.
«اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ»
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (حديث صحيح).
- الحمد عند حصول ما يسرُّ:
«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ»
المصدر: سنن ابن ماجه، وحسنه الألباني، (حديث حسن).
- الحمد على كل حال: عند حصول ما يكره الإنسان.
«الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»
المصدر: سنن ابن ماجه، وحسنه الألباني، (حديث حسن).
صيغ وأدعية عامة في حمد الله وشكره
إلى جانب الأدعية المأثورة، يمكن للمسلم أن يدعو الله ويحمده بصيغ عامة تحمل معاني صحيحة، ما دامت لا تخالف الشرع، وهذه بعض الأمثلة التي يتداولها الناس، وهي حسنة المعنى:
- “اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، ولكَ الحَمْدُ إِذَا رَضِيتَ، ولكَ الحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَا، اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ.”.
- “الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى.”.
- “اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَإِلَيْكَ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، عَلَانِيَتُهُ وَسِرُّهُ، فَأَهْلٌ أَنْتَ أَنْ تُحْمَدَ، وَأَهْلٌ أَنْتَ أَنْ تُعْبَدَ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.”.
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَحْمَدُكَ عَلَى كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيْنَا فِي قَدِيمٍ أَوْ حَدِيثٍ، أَوْ خَاصَّةٍ أَوْ عَامَّةٍ، أَوْ سِرٍّ أَوْ عَلَانِيَةٍ.”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ومعانيها صحيحة، ولكنها لم تثبت بهذه النصوص الكاملة في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، الدعاء عبادة، والأفضل والأكمل هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وتجمع خيري الدنيا والآخرة.
كيف يكون شكر النعم وحمد الله؟
الشكر لا يقتصر على اللسان فقط، بل هو عبادة تشمل القلب واللسان والجوارح، وقد بيّن الله تعالى أن الشكر سبب لزيادة النعم، فقال:
“وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ” [إبراهيم: 7]
ومن طرق التعبير عن الشكر والحمد لله:
- الشكر بالقلب: وهو أن يعترف العبد ويقرَّ بقلبه أن كل نعمة يتمتع بها، صغيرة كانت أم كبيرة، هي من الله وحده، قال تعالى:
“وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ” [النحل: 53]
.
- الحمد باللسان: وذلك بالإكثار من قول “الحمد لله”، والثناء على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا، والتحدُّث بنعم الله دون فخر أو رياء.
- الشكر بالجوارح (الأعمال): ويكون باستخدام نعم الله في طاعته وتجنب معصيته، فشُكر نعمة البصر يكون بغضّه عن الحرام، وشكر نعمة المال يكون بإنفاقه في الحلال والتصدق منه.
- سجود الشكر: وهو من أعظم صور الشكر العملي، ويُشرع عند حصول نعمة جديدة أو اندفاع نقمة، وهو سجدة واحدة دون تكبير أو تشهد، ولا يُشترط لها طهارة على القول الراجح.
- الالتزام بالعبادات: فالمحافظة على الفرائض كالصلاة، والإكثار من النوافل، هي من أعظم صور الشكر لله على نعمة الهداية والإسلام.
المصادر والمراجع
- سورة إبراهيم، الآية 7.
- سورة النحل، الآية 53.
- صحيح البخاري، حديث رقم 1120، 6306، 6346، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، كتاب الأدب، باب فضل الحامدين، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول الحمد والشكر
ما هي أفضل صيغ الحمد؟
أفضل صيغ الحمد هي ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل الأدعية المذكورة أعلاه، وكلمة “الحمد لله” بحد ذاتها من أفضل الذكر، لقول النبي ﷺ: “أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله” (حديث حسن، رواه الترمذي).
هل يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من صيغ الحمد والثناء، بشرط أن تكون معانيها صحيحة ولا تحتوي على محذور شرعي أو اعتداء في الدعاء، ومع ذلك، يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة هو الأفضل والأكمل والأعظم أجراً.
ما الفرق بين الحمد والشكر؟
الحمد أعم من الشكر، فالحمد يكون ثناءً على الله لصفات كماله (مثل الحكمة والعلم) وعلى نعمه، أما الشكر فيكون مقابل نعمة وإحسان، ويكون بالقلب (اعترافاً) واللسان (ثناءً) والجوارح (طاعةً).


