عندما تعترضنا في مسيرة الحياة مفترقات طرق، ونشعر بأن الأمور قد تشابكت وصعُب حلها، يتسلل إلى قلوبنا التردد وعدم اليقين، فنبحث عن سبيلٍ يحمل لنا الخير والبركة، وفي تلك اللحظات، لا ملجأ للمسلم إلا الله سبحانه وتعالى، يقف بين يديه بالدعاء والتضرع، راجيًا الهداية إلى القرار الصائب الذي فيه صلاح دينه ودنياه.
وقد أرشدنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى أعظم ما يُستعان به في هذا الباب، وهو صلاة الاستخارة، لتكون وجهتنا دائمًا إلى الله في كل شؤون حياتنا، الكبيرة منها والصغيرة، فالدعاء هو العبادة، وهو الصلة التي تهدئ الأرواح وتنير الدروب وتفتح أبواب الخير بمشيئة الله.
الدعاء الشرعي عند الحيرة والتردد: دعاء الاستخارة
إن أفضل ما يدعو به المسلم عند الإقدام على أمرٍ جديد أو عند الحيرة في اتخاذ قرار هو دعاء الاستخارة، الذي علّمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو دعاءٌ جامعٌ يفوّض فيه العبد أمره كله لله، ويسأله بعلمه وقدرته أن يختار له الأصلح.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلّمنا السورة من القرآن، يقول:
“إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ -ويسمي حاجته- خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ”.
المصدر: صحيح البخاري.
هذا الدعاء هو الأصل في طلب الهداية عند اتخاذ القرارات، سواء كانت تتعلق بالزواج، أو العمل، أو أي شأن من شؤون الحياة المباحة.
أدعية عامة للاستعانة بالله عند اتخاذ القرار
إلى جانب دعاء الاستخارة، يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بأدعية عامة تحمل معاني التوكل وطلب التيسير والهداية، هذه الصيغ، وإن لم تكن مأثورة بلفظها عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن معناها صحيح وجائز الدعاء بها.
- اللَّهُمَّ يا مُقَلِّبَ القلوبِ ثَبِّت قلبي على دينك، ويا مُصَرِّفَ القلوبِ صَرِّفْ قلبي على طاعتك، واختر لي ما فيه الخير، وأرضني به.
- رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي.
- اللَّهُمَّ ألهمني رشدي، وقني شر نفسي، ووجِّهني للصواب، واكفني شر ما أهمّني وما لم أهتم به.
- يا رب، إني قد حار أمري، وضاقت بي السبل، فكن لي وليًا ومرشدًا، ودلني على ما فيه صلاحي في الدنيا والآخرة.
- يا وهاب الكرم والعطاء، أطفئ حيرة قلبي، واهدِ فكري، وأنِر بصيرتي، وارزقني راحة البال وصفاء النفس.
تنبيه هام حول الأدعية المنتشرة
إخلاء مسؤولية: إن بعض الصيغ والأدعية التي تنتشر بين الناس قد لا يكون لها أصل ثابت في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة، الدعاء عبادة، والأصل فيها هو الالتزام بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أكمل الهدي وأفضله، والأدعية المأثورة في الكتاب والسنة فيها الكفاية والبركة والخير العظيم.
دعاء عند الحيرة في قرار الزواج
يُعد الزواج قرارًا مصيريًا، والحيرة فيه أمر طبيعي، وأفضل ما يُستعان به في هذا الشأن هو صلاة الاستخارة ودعاؤها المذكور سابقًا، حيث يسمي الشخص حاجته فيقول: “اللهم إن كنت تعلم أن زواجي من فلانة/فلان خير لي…”، وإلى جانب ذلك، يمكن الدعاء بهذه الصيغ العامة:
- اللَّهُمَّ إني أسألك أن تختار لي ولا تخيّرني، فإني لا أُحسن الاختيار، وأنت حسبي ونعم الوكيل.
- يا رب، أعنِّي على اختيار الشريك الصالح الذي يكون لي عونًا على طاعتك، ويقرّ به عيني، وتملأ به حياتي سكينة وهناءً.
- اللَّهُمَّ ارزقني زوجًا/زوجةً صالحةً، تقيّةً، نقيّةً، إن نظرت إليها سرّتني، وإن غبت عنها حفظتني في نفسي ومالي.
- يا رب، إن كان في هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري فيسّره لي وبارك لي فيه، وإن كان فيه شرٌ فاصرفه عني واصرفني عنه.
نصائح شرعية وعملية لتسهيل اتخاذ القرار
إلى جانب الدعاء، حثّ الإسلام على الأخذ بالأسباب، فبعد التوكل على الله، تأتي مرحلة التفكير السليم والمشورة، قال تعالى:
“…وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ…” [آل عمران: 159]
إليك بعض النصائح التي تعينك على اتخاذ قرار حكيم:
- الاستشارة (الشُّورى): لا تتردد في استشارة أهل الثقة والخبرة من عائلتك أو أصدقائك الصالحين، فوجهة نظر أخرى قد تكشف لك أبعادًا لم تكن تراها.
- التفكير المنطقي: استخدم عقلك في تحليل الأمور، وادرس المنافع والمخاطر المحتملة لكل خيار بهدوء وموضوعية.
- الابتعاد عن مواطن الانفعال: تجنّب اتخاذ القرارات في حالات الغضب الشديد أو الفرح المفرط، فهذه المشاعر تؤثر على قدرتك على التفكير السليم.
- التمسك بالمبادئ: اجعل رضا الله وتقواه هو الميزان الأول في كل قراراتك، لا تتنازل عن قيمك ومبادئك الإسلامية مهما كانت المغريات.
- عدم التسرع: أعطِ نفسك الوقت الكافي لدراسة القرار من جميع جوانبه قبل الإقدام عليه، فالعجلة من الشيطان.
- الثقة بالله بعد القرار: بعد أن تأخذ بالأسباب وتستخير الله وتتوكل عليه، امضِ في قرارك بقلبٍ مطمئن، واعلم أن ما يختاره الله لك هو الخير، حتى لو بدا لك عكس ذلك في البداية، فالله يقول:.
“وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” [البقرة: 216]
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم، (يمكن تصفحه على Quran.com).
- سورة آل عمران، الآية 159.
- سورة البقرة، الآية 216.
- صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الاستخارة، حديث رقم 6382، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء عند الحيرة في اتخاذ قرار؟
أفضل وأكمل دعاء هو دعاء الاستخارة الوارد في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صحيح البخاري، حيث يفوض فيه المسلم أمره بالكامل لله تعالى ليختار له الخير.
متى تُصلى صلاة الاستخارة؟
تُصلى صلاة الاستخارة عندما يهمّ المسلم بأمر مباح ويتردد فيه، مثل الزواج أو العمل أو السفر، وهي عبارة عن ركعتين من غير الفريضة، يُقرأ بعدها دعاء الاستخارة المأثور.
هل يجوز الدعاء بصيغ أخرى غير دعاء الاستخارة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بأي صيغة أخرى تحمل معنى صحيحًا ولا تخالف الشرع، كأن يسأل الله الهداية والتيسير والتوفيق، ولكن يبقى دعاء الاستخارة النبوي هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة.
 
		
