الدعاء من أعظم العبادات التي تُقرّب العبد من ربه، وهو مظهر من مظاهر صدق الإيمان واليقين بالله تعالى، وقد وعد الله سبحانه عباده بإجابة دعائهم إذا أخلصوا وتضرعوا، فقال تعالى:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60]
.
ومن أهم ما يسعى إليه المسلم في عبادته هو الخشوع في الصلاة، فهو روحها ولبّها، ولتحقيق ذلك، ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أدعية وأذكار تعين على طرد وساوس الشيطان وزيادة حضور القلب، نستعرض هنا الأدعية الصحيحة الثابتة، مع بيان حكم بعض الصيغ المنتشرة التي لا أصل لها.
أدعية صحيحة لزيادة الخشوع والتركيز في الصلاة
هذه مجموعة من الأدعية والأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تعين المسلم على الخشوع في صلاته وما بعدها:
- عند وسوسة الشيطان في الصلاة:أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى علاج السرحان ووسوسة الشيطان في الصلاة، فعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 “ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزِبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا” قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني، (المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2203). 
- دعاء للاستعاذة من قلب لا يخشع:كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا” (المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2722)، يمكن الدعاء به في السجود أو قبل السلام. 
- دعاء عظيم يُقال في السجود أو قبل السلام:علّم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يقول في صلاته:
 “اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” (المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 834؛ صحيح مسلم، حديث رقم 2705). 
- دعاء للإعانة على حُسن العبادة (يُقال بعد الصلاة):أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه أن يقول دبر كل صلاة:
 “اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ” (المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 1522، حديث صحيح). 
- من أذكار ما بعد السلام مباشرة:كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال:
 “أَسْتَغْفِرُ اللهَ (ثَلَاثًا)، اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ” (المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 591). 
صيغ شائعة تُنسب للمساعدة على الخشوع
تنتشر بين الناس بعض الصيغ والأدعية التي تُنسب للمساعدة على الخشوع أو كدعاء بعد الصلاة، ومنها الصيغة التالية:
- {اللهم اغفر لي كل صلاة لا تليق بجلال وجهك.، حضر فيها جسدي وغاب عنها خشوع قلبي..}.
تنبيه هام: هذه الصيغة هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة لمن لزمها، ومع أن معنى الدعاء جيد، إلا أنه لا يجوز نسبته إلى الدين أو اعتقاد فضل خاص له لم يرد به دليل.
كيفية تحقيق الخشوع أثناء الصلاة
الخشوع هو جوهر الصلاة، وهو حضور القلب وسكون الجوارح بين يدي الله، وهو ليس مجرد شعور عابر، بل هو ثمرة مجاهدة وسعي لتحقيقه عبر خطوات عملية، منها:
- الاستعداد للصلاة: التهيؤ نفسيًا وجسديًا بالوضوء والابتعاد عن المشتتات واختيار مكان هادئ.
- استشعار عظمة الله: عند التكبير بقول “الله أكبر”، استحضر أن الله أكبر من كل شيء يشغلك في هذه الدنيا.
- تدبر ما يُقرأ: سواء كانت سورة الفاتحة أو ما تيسر من القرآن، حاول فهم المعاني والتأمل فيها، القراءة بتأنٍ وتجويد تساعد على ذلك.
- فهم معاني أذكار الصلاة: تدبر معنى دعاء الاستفتاح، والتسبيح في الركوع والسجود، والتشهد.
- الطـمأنينة في الأركان: أداء الركوع والسجود والقيام والجلوس بتمهل وطمأنينة، فهذا من أهم أسباب الخشوع.
- الدعاء في مواضعه: السجود هو أقرب ما يكون العبد من ربه، فأكثر فيه من الدعاء بصدق وتضرع، فهذا يعمق صلتك بالله في صلاتك.
- النظر إلى موضع السجود: يساعد هذا الفعل على تركيز البصر وحفظه من الالتفات الذي يشتت الذهن.
- المحافظة على النوافل: الإكثار من السنن الرواتب وغيرها من النوافل يجبر نقص الفرائض ويزيد من صلة العبد بربه.
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 60.
- صحيح مسلم، حديث رقم 2203، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2722، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 834، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 1522، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 591، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء للخشوع في الصلاة؟
أفضل ما يعين على الخشوع هو الجمع بين الأسباب العملية (كالاستعداد للصلاة وتدبر القراءة) والأدعية المأثورة، ومن أهم الأدعية ما ورد في السنة مثل الاستعاذة من الشيطان (خنزب) عند الشعور بالوسوسة، والدعاء بـ “اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك” بعد الصلاة، والاستعاذة من “قلب لا يخشع”.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لطلب الخشوع؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من الأدعية الطيبة التي لا تحتوي على إثم أو قطيعة رحم، كأن يقول: “اللهم ارزقني الخشوع في صلاتي”، لكن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن والسنة، فهي جامعة للمعاني ومباركة، مع تجنب اختراع صيغ ونسبتها للدين أو اعتقاد فضل خاص لها لم يثبت.
متى تقال أدعية الخشوع؟
الأمر واسع، بعض الأدعية لها مواضع محددة، مثل أذكار ما بعد الصلاة، وبعضها يمكن قوله في مواضع الدعاء العامة في الصلاة، وأفضلها السجود، وكذلك قبل التسليم من الصلاة بعد التشهد الأخير، أما الاستعاذة من الشيطان فتكون عند الشعور بالوسوسة مباشرة أثناء الصلاة.
