الرحمة صفةٌ عظيمة من صفات الله جل وعلا، وهي من أعظم النعم التي يمنحها لعباده في الدنيا والآخرة، وقد وسعت رحمته كل شيء، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
“وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ” [الأعراف: 156]
، وتتجلى هذه الرحمة في تيسير الأمور، ورفع البلاء، وهداية الخلق، وغفران الذنوب، ولذلك، كان اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء وطلب رحمته من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه.
في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية الموثوقة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة لطلب الرحمة والمغفرة، مع بيان مصادرها وسياقها، بالإضافة إلى توضيح حكم بعض الصيغ المنتشرة بين الناس.
أدعية قرآنية في طلب الرحمة والمغفرة
إن أفضل ما يدعو به العبد هو ما ورد في كتاب الله تعالى، فهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن هذه الأدعية المباركة:
- دعاء آدم وحواء عليهما السلام: وهو من أعظم أدعية التوبة وطلب الرحمة بعد الزلل.
“قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ” [الأعراف: 23]
.
- دعاء شامل من سورة البقرة: وهو من الأدعية الجامعة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201]
.
- دعاء من أواخر سورة البقرة: وهو دعاء عظيم في طلب العفو والمغفرة والرحمة والنصر.
“رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” [البقرة: 286]
.
أدعية نبوية صحيحة في طلب الرحمة والمغفرة
كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس دعاءً واستغفارًا، وقد علمنا صيغًا جامعة ومباركة للدعاء، منها:
- سيد الاستغفار: وهو أفضل صيغ الاستغفار كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ.”
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (حديث صحيح).
- الدعاء للميت في صلاة الجنازة: وهو دعاء مأثور وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ.”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 963، (حديث صحيح).
صيغ وأدعية عامة ومنتشرة (للاستئناس بها)
هناك بعض الأدعية التي يتداولها الناس، وهي حسنة المعنى، ويمكن الدعاء بها على وجه العموم ما لم تتضمن محظورًا شرعيًا، نورد بعض الأمثلة منها هنا مع التنبيه الهام التالي:
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، وفيها الخير والبركة.
- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَأَسْكِنْهُ فَسِيحَ جَنَّاتِكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ قَبْرَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَأَنِرْ لَهُ فِيهِ بِنُورِ رَحْمَتِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَلِجَمِيعِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُمْ فِي عِلِّيِّينَ.
- يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، نَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ ذُنُوبَنَا وَتَسْتُرَ عُيُوبَنَا، وَأَنْ تُظِلَّنَا بِظِلِّكَ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّكَ.
- اللَّهُمَّ يَا وَدُودُ يَا رَحِيمُ، أَنْتَ الْمَلْجَأُ وَالْمُسْتَعَانُ، لا رَبَّ لَنَا سِوَاكَ وَلا رَجَاءَ لَنَا إِلا بِكَ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَغْمُرَنَا بِعَفْوِكَ، وَتَهْدِيَنَا إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَتَرْزُقَنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ.
- يَا وَاسِعَ الرَّحْمَةِ وَيَا ذَا الْجُودِ وَالْكَرَمِ، يَا مَنْ تَرَى مَوَاضِعَ الضَّعْفِ فِي نُفُوسِنَا، أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْمَغْفِرَةَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى أَنْ تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ، وَتَتَجَاوَزَ عَنْ زَلاَّتِي.
- اللَّهُمَّ يَا مَنْ تَنْظُرُ إِلَى قَلْبِي وَتَعْلَمُ مَا فِيهِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُقِرَّ عَيْنِي بِالسَّكِينَةِ، وَتُسْكِنَ رُوحِي بِالطُّمَأْنِينَةِ، وَتُنِيرَ دَرْبِي بِالْهِدَايَةِ، وَتَغْسِلَ خَطَايَايَ بِرَحْمَتِكَ الْوَاسِعَةِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
من دلائل رحمة الله الواسعة بعباده
رحمة الله تعالى تتجلى في كل شيء حولنا، وهي دليل على عظيم لطفه وحكمته، ومن أبرز هذه الدلائل:
- إرسال الرسل وإنزال الكتب: من أعظم مظاهر رحمته أنه لم يترك الناس هملاً، بل أرسل إليهم الرسل وأنزل الكتب لهدايتهم وإرشادهم، قال تعالى:.
“وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” [الأنبياء: 107]
- تعاقب الليل والنهار: جعل الله الليل للراحة والسكون والنهار للسعي والعمل، وهذا من تمام رحمته لتستقيم حياة الناس، قال تعالى:.
“وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” [القصص: 73]
- إنزال المطر: به يحيي الله الأرض بعد موتها، ويخرج به الزرع والثمرات رزقًا للعباد، وهو رحمة ظاهرة يشهدها الجميع.
- فتح باب التوبة: مهما بلغت ذنوب العبد، فإن باب التوبة مفتوح لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، وهذه من أوسع رحمات الله بعباده.
- صلة الرحم: جعل الله صلة الأرحام سببًا للبركة في الرزق والعمر، وهي رحمة اجتماعية تقوي الروابط وتزيد الألفة بين الناس.
المصادر والمراجع
- سورة الأعراف، الآية 156.
- سورة الأعراف، الآية 23.
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة البقرة، الآية 286.
- سورة الأنبياء، الآية 107.
- سورة القصص، الآية 73.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 963، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هي أفضل الأوقات للدعاء بطلب الرحمة؟
يستحب الدعاء في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وعند نزول المطر، وآخر ساعة من يوم الجمعة.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لطلب الرحمة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من صيغ الدعاء الطيبة ما لم تكن تحتوي على اعتداء في الدعاء أو مخالفة شرعية، ومع ذلك، يبقى الأفضل والأكمل هو الدعاء بالمأثور من القرآن والسنة الصحيحة، لأنه أجمع للمعاني وأبعد عن الخطأ.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة وغير الثابتة؟
البديل الصحيح والأسلم هو الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، مثل “سيد الاستغفار” والأدعية القرآنية المذكورة في هذا المقال، فهي ثابتة المصدر، عظيمة الأثر، وفيها الكفاية والبركة.

