يُعدُّ الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، خاصة في أوقات السفر التي يكون فيها الإنسان في حاجة ماسة إلى عون الله وحفظه، وإن من أعظم صور التوكل على الله استيداعه النفسَ والأهلَ والمالَ، إيمانًا بأنه خير الحافظين، ويحرص المسلمون عند السفر أو توديع مسافر على الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي جامعة للخير، ومباركة، وفيها تمام الاتباع.
دعاء السفر المأثور: الأدعية الصحيحة من السنة النبوية
وردت في السنة النبوية الشريفة أدعية محددة تُقال في سياق السفر وتوديع المسافرين، والالتزام بهذه الصيغ الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل، وفيها الكفاية والبركة، تنقسم هذه الأدعية إلى ما يقوله المقيم للمسافر، وما يقوله المسافر للمقيمين.
1، دعاء المقيم للمسافر
يُسن لمن يودع مسافرًا أن يدعو له بالدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يودع به أصحابه، وهو من أجمع الأدعية لحفظ المسافر في دينه ودنياه.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ودَّع رجلاً، أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده، ويقول:
“أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ، وَأَمَانَتَكَ، وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ.”
المصدر: سنن الترمذي (3443)، وقال: “حديث حسن صحيح”.
شرح موجز: في هذا الدعاء، يستودع المودِّعُ اللهَ أهمَّ ما يملكه المسافر: دينه (وهو رأس ماله)، وأمانته (وتشمل أهله وماله وكل ما استُؤمن عليه)، وخواتيم عمله (ليسلم من سوء الخاتمة).
2، دعاء المسافر للمقيمين
كما يُسن للمسافر أيضًا أن يودع أهله وأصحابه بالدعاء المأثور، طالبًا من الله أن يحفظهم في غيابه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“مَنْ أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ فَلْيَقُلْ لِمَنْ يُخَلِّفُ: أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ الَّذِي لَا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ.”
المصدر: سنن ابن ماجه (2825)، وهو حديث صحيح.
شرح موجز: في هذه الصيغة، يكل المسافر أهله ومن يبقى خلفه إلى حفظ الله ورعايته، معترفًا بأن ودائع الله هي الوحيدة التي لا تضيع ولا تُفرَّط فيها.
صيغ وأدعية شائعة عند توديع المسافر
يتداول الناس بعض الصيغ للدعاء للمسافر، وهي تحمل معاني طيبة، لكنها لم ترد بهذا التخصيص أو بهذه الصياغة المحددة في السنة النبوية، من الجائز الدعاء بها على وجه العموم دون اعتقاد أنها سنة مخصصة، ومن أمثلتها:
- أستودعكم الله الذي لا تضيع عنده الودائع، أسأل الله أن يحيطكم برعايته ويحفظكم في حلكم وترحالكم وأن يصرف عنكم كل مكروه، اللهم اجعل طريقكم مُيسرًا ووفقكم في مسعاكم.
- أستودعكم الله، اللهم يسر طريقهم وسهل عليهم مشقتهم وبارك لهم في وقتهم ورزقهم، اللهم احفظهم بعينك التي لا تنام.
- أستودعك يا الله أحبتي، اللهم لا تريني فيهم بأسًا يحزنني، اللهم اجعل سفرهم آمنًا وارجعهم لي سالمين معافين.
- يا رب أودعتك أحبتي فاحفظهم بحفظك الذي لا يضام، اللهم كن لهم رفيقًا في غربتهم وعونًا في طريقهم واجعل الخير يلاقيهم أينما كانوا.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الكيفية، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
ما حكم قول “أستودعكم الله” بصيغ مختلفة؟
أصل قول “أستودعكم الله” مشروع وثابت في السنة النبوية كما سبق بيانه، أما إضافة عبارات وأدعية أخرى إليها، فإن كان ذلك على سبيل الدعاء العام للمسافر بخيري الدنيا والآخرة دون اعتقاد أن هذه الصيغة المحددة سنة نبوية، فلا حرج في ذلك، فباب الدعاء واسع، لكن الأكمل والأفضل هو الاقتصار على الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها أجمع للخير وأعظم في البركة.
دعاء المسافر لأهله وعائلته

عندما يسافر المرء، يترك خلفه أهله وعائلته، وهم أغلى ما يملك، لذلك، فإن استيداعهم الله هو من أعظم أسباب الطمأنينة للمسافر، يمكن للمسافر أن يدعو لأهله بالدعاء النبوي: “أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ الَّذِي لَا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ”، ويمكنه أن يزيد عليه من الأدعية العامة التي تفيض بالحب والرجاء، مثل:
- اللَّهُمَّ يا مَن لا تضيع عنده الودائع، أستودعك أهلي وعائلتي، فاحفظهم بحفظك، واكلأهم برعايتك، وأبعد عنهم كل مكروه.
- يا ربّ، أستودعتك أهلي وأنتَ خير الحافظين، اللهم احرسهم بعينك التي لا تنام في غيابي، وكن لهم معينًا ونصيرًا.
- اللهم إني أستودعك بيتي وأهلي ومالي، فاحفظهم جميعًا بما تحفظ به عبادك الصالحين.
أثر السفر في حياة الإنسان
للسفر تأثير عميق على حياة الإنسان، وهو ليس مجرد انتقال من مكان لآخر، بل تجربة غنية تساهم في صقل الشخصية وتوسيع المدارك، وطلب الحفظ من الله عبر أدعية السفر المأثورة يضفي على هذه التجربة بُعدًا إيمانيًا عميقًا، ومن أبرز آثار السفر الإيجابية:
تنمية المرونة والقدرة على التكيف
- يُسهم السفر في تعزيز قدرة الشخص على التكيف مع الظروف الجديدة والمتغيرة، حيث يتعرض لثقافات وعادات متنوعة، مما يمنحه فهمًا أعمق للعالم ويجعله أكثر تقبلاً للاختلاف.
تعزيز الاستقلالية والثقة بالنفس
- عندما يسافر الشخص، خاصة بمفرده، يتعلم الاعتماد على الذات في اتخاذ القرارات ومواجهة المواقف، مما يعزز ثقته بنفسه وإحساسه بالمسؤولية.
توسيع دائرة المعرفة والثقافة
- يُعد السفر وسيلة فعالة لاكتشاف أماكن جديدة، والتعرف على تاريخ وحضارات مختلفة، وتعلّم لغات جديدة، مما يثري رصيده المعرفي والثقافي.
اكتساب مهارات حل المشكلات
- غالبًا ما يواجه المسافر مواقف غير متوقعة تتطلب منه إيجاد حلول سريعة، وهذا ينمي لديه مهارة التفكير النقدي والقدرة على اتخاذ القرارات تحت الضغط.
إن السفر تجربة غنية تجمع بين اكتشاف العالم واكتشاف الذات، وعندما يقترن هذا السعي بالتوكل على الله والدعاء بأدعية السفر الصحيحة، فإنه يصبح رحلة مباركة تجمع بين فائدة الدنيا وأجر الآخرة.
المصادر والمراجع
- سنن الترمذي، حديث رقم 3443، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، حديث رقم 2825، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول دعاء السفر
ما هو دعاء السفر الصحيح الذي يقوله المسافر عند ركوب دابته؟
الدعاء الصحيح هو ما ورد في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر، كبَّر ثلاثاً، ثم قال:
“سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ” [الزخرف: 13-14]
، ثم يقول: “اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى…”.
ماذا يقول المقيم للمسافر عند توديعه؟
يقول له الدعاء المأثور:
“أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ، وَأَمَانَتَكَ، وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ.”
وهو حديث حسن صحيح.
هل يجوز الدعاء بأدعية أخرى غير المأثورة عند السفر؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة له ولأهله وللمسلمين، فباب الدعاء واسع، لكن الأفضل والأكمل هو البدء بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء بما يفتح الله به على عبده.
