يُعد المرض ابتلاءً من الله تعالى، يختبر به صبر عباده ويرفع به درجاتهم، والمؤمن الحق هو من يقابل البلاء بالصبر والرضا، ويتوجه إلى خالقه بالدعاء والتضرع، فهو سبحانه القائل في كتابه الكريم: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ” [البقرة: 186]، والدعاء من أعظم أسباب الشفاء، فهو يربط القلب بخالقه، ويغرس فيه اليقين والأمل برحمة الله التي وسعت كل شيء، وهو القادر وحده على كشف الضر ورفع البلاء.
أدعية الشفاء الثابتة في القرآن والسنة الصحيحة
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة مباركة، فيها الخير والبركة والشفاء بإذن الله.
1، دعاء نبي الله أيوب عليه السلام
وهو من أعظم الأدعية القرآنية التي تُقال عند اشتداد المرض والضر، حيث دعا به نبي الله أيوب فكشف الله ما به من ضر.
“أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” [الأنبياء: 83].
2، دعاء النبي عند الشعور بالألم في الجسد
إذا شعر المسلم بألم في جسده، فيُسن له أن يضع يده على موضع الألم ويدعو بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
عن عثمان بن أبي العاص الثقفي، أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ، ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2202 (حديث صحيح).
3، دعاء النبي لشفاء المريض
هذا الدعاء يُسن قوله عند زيارة المريض، ويمكن للمريض أن يدعو به لنفسه، وهو من الأدعية المأثورة التي يُرجى بها الشفاء.
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلَّا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ”.
المصدر: سنن أبي داود وسنن الترمذي (حديث صحيح).
أدعية عامة وصيغ منتشرة لطلب الشفاء
إلى جانب الأدعية الثابتة، يتداول الناس بعض الصيغ العامة للدعاء التي تحمل معاني طيبة في طلب الشفاء والعافية من الله تعالى، يمكن للمسلم أن يدعو بها أو بما يفتح الله عليه من الدعاء، ما لم تحتوِ على محظور شرعي، ومن أمثلة ذلك:
- اللَّهُمَّ يَا مُسَهِّلَ الشَّدِيدِ، وَيَا مُلَيِّنَ الْحَدِيدِ، وَيَا مُنْجِزَ الْوَعِيدِ، وَيَا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ فِي أَمْرٍ جَدِيدٍ، أَخْرِجْنِي مِنْ حَلَقِ الضِّيقِ إِلَى أَوْسَعِ الطَّرِيقِ، بِكَ أَدْفَعُ مَا لَا أُطِيقُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
 - يَا إِلَهِي، أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا، أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي.
 - اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ وَكَرَمِكَ أَنْ تَرْفَعَ عَنِّي كُلَّ أَلَمٍ، وَأَنْ تُخَفِّفَ عَنِّي مَا أَثْقَلَنِي بِهِ الْمَرَضُ، وَتَجْعَلَ هَذَا الْبَلَاءَ سَبَبًا لِتَطْهِيرِ ذُنُوبِي وَرَفْعِ دَرَجَاتِي.
 - اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ.
 - اللَّهُمَّ يَا مُجِيبَ الدَّعَوَاتِ، يَا مَنْ وَسِعَتْ رَحْمَتُكَ كُلَّ شَيْءٍ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، وَإِذَا سُئِلْتَ بِهِ أَعْطَيْتَ، أَنْ تَشْفِيَنِي وَتَشْفِيَ كُلَّ مَرِيضٍ.
 
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الكيفية، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز الدعاء بأدعية عامة بمعانٍ صحيحة لا تخالف الشرع.
الرقية الشرعية بالقرآن الكريم
القرآن الكريم كله شفاء ورحمة للمؤمنين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه استخدام آيات وسور معينة في الرقية الشرعية لطلب الشفاء من الله تعالى، قال تعالى:
“وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” [الإسراء: 82].
ومن أهم ما يُقرأ بنية الرقية والشفاء:
- سورة الفاتحة: فهي الشافية والكافية، وتُقرأ على المريض مع النفث.
 - آية الكرسي: وهي أعظم آية في القرآن، وفيها حفظ وحماية من كل سوء، [البقرة: 255].
 - المعوذتان (سورة الفلق وسورة الناس) وسورة الإخلاص: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهن ويمسح بهن على جسده الشريف عند المرض.
 - أواخر سورة البقرة: الآيتان الأخيرتان منها: “آمَنَ الرَّسُولُ…” [البقرة: 285-286].
 - آيات الشفاء العامة في القرآن: كقوله تعالى: “وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ” [التوبة: 14]، وقوله: “وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ” [الشعراء: 80].
 
مفهوم المرض في الإسلام
المرض هو حالة تعتري الجسد أو النفس، تخرجه عن طبيعته المعتادة، وتسبب له الضعف والألم، وهو ينقسم إلى قسمين رئيسيين:
- الأمراض الجسدية: وهي التي تصيب وظائف الجسم الحيوية، كأمراض القلب والسكري والعدوى وغيرها، وهي تتطلب الأخذ بالأسباب المادية من علاج ومتابعة طبية، مع التوكل على الله والاستعانة به عبر الدعاء.
 - الأمراض النفسية (أمراض القلوب): وهي التي تؤثر على الحالة النفسية والمزاجية، كالقلق والاكتئاب والوسواس، وعلاجها يكون باللجوء إلى الله تعالى، وتلاوة القرآن، والذكر، مع الاستعانة بالمشورة المتخصصة إن لزم الأمر، فالله تعالى يقول: “أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” [الرعد: 28].
 
وفي كلتا الحالتين، يبقى الدعاء والصلة بالله تعالى ركناً أساسياً في رحلة الصبر والعلاج، فالله هو الشافي وحده لا شريك له.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 186.
 - سورة الأنبياء، الآية 83.
 - صحيح مسلم، حديث رقم 2202، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - سنن أبي داود (5089)، وسنن الترمذي (2083)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - سورة الإسراء، الآية 82.
 - سورة الرعد، الآية 28.
 
أسئلة شائعة حول دعاء الشفاء
ما هو أفضل دعاء للشفاء؟
أفضل الأدعية هي ما ثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل دعاء نبي الله أيوب عليه السلام: “أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ”.
هل يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من الدعاء لمعنى صحيح لا يخالف الشرع، كأن يسأل الله العافية والصحة، لكن الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة.
ما هو الوقت الأفضل للدعاء بالشفاء؟
الدعاء مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة، وعند نزول المطر.
		
