إن من أعظم نعم الله على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات تتضاعف فيها الحسنات وتُقال فيها العثرات، ويأتي شهر رمضان المبارك في طليعة هذه المواسم، فهو شهر القرآن والرحمة والمغفرة والعتق من النيران، ومع اقتراب ساعاته الأخيرة، يعظم شوق الصالحين وتلهج ألسنتهم بالدعاء أملًا في القبول وحسن الختام.
أدعية مأثورة من القرآن والسنة للعشر الأواخر من رمضان
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي فيها الخير كله، ومن أعظم ما يُدعى به في الليالي الأخيرة من رمضان:
1، دعاء ليلة القدر
وهو الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، وهو أفضل ما يُقال في الليالي الوترية من العشر الأواخر تحريًا لليلة القدر.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ:
“قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”
(المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح).
2، دعاء طلب القبول
بعد إتمام العبادة، من هدي الأنبياء والصالحين سؤال الله القبول، وهذا دعاء قرآني عظيم يناسب ختام شهر الطاعة.
“رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”
[سورة البقرة: 127]
3، أدعية قرآنية جامعة
الأدعية القرآنية هي خير ما يدعو به العبد، ومنها:
-
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
[سورة البقرة: 201].
-
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”
[سورة آل عمران: 8].
صيغ مقترحة وأدعية عامة لوداع رمضان
هذه بعض الصيغ الدعائية التي يتداولها الناس، يمكن الاستئناس بها للدعاء بما فيها من المعاني الطيبة، مع اليقين بأنها لم ترد بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ خِتَامَ هَذَا الشَّهْرِ الشَّرِيفِ رِضْوَانَكَ عَلَيْنَا، وَالْعِتْقَ مِنْ نِيرَانِكَ، وَالْفَوْزَ بِجِنَانِكَ، اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ صِيَامِنَا إِيَّاهُ، فَإِنْ جَعَلْتَهُ فَاجْعَلْنِي مَرْحُومًا وَلَا تَجْعَلْنِي مَحْرُومًا.
- يَا رَبِّ، تَقَبَّلْ مِنَّا صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا وَصَالِحَ أَعْمَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مِنْ عُتَقَائِكَ مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ أَعِدْهُ عَلَيْنَا أَعْوَامًا عَدِيدَةً وَأَزْمِنَةً مَدِيدَةً وَنَحْنُ فِي صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ وَأَمْنٍ وَإِيمَانٍ.
- اللَّهُمَّ إِنَّكَ شَرَّفْتَ هَذَا الشَّهْرَ الْعَظِيمَ وَفَضَّلْتَهُ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ، فَنَسْأَلُكَ يَا اللهُ أَلَّا تَغِيبَ شَمْسُ آخِرِ يَوْمٍ فِيهِ إِلَّا وَقَدْ غَفَرْتَ لَنَا كُلَّ ذَنْبٍ، وَقَبِلْتَ مِنَّا كُلَّ عَمَلٍ، وَجَعَلْتَنَا مِنْ أَهْلِ رَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وباب الدعاء واسع بأن يدعو المسلم بخيري الدنيا والآخرة بما يفتح الله عليه.
حكم تخصيص دعاء معين لليلة الأخيرة من رمضان
لم يثبت في السنة النبوية المطهرة دعاء محدد بلفظه لليلة الأخيرة من رمضان أو لوداعه، والصواب هو أن يجتهد المسلم في الدعاء بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، مع التركيز على طلب المغفرة، والقبول، والعتق من النار، والثبات على الطاعة بعد رمضان.
فضائل شهر الصيام كما وردت في السنة
يَمتازُ شهرُ الصيام بمكانةٍ عظيمة وفَضائلَ كثيرةٍ تَجعلهُ مُتفردًا عن باقي الشهور، ومن هذه الفضائل الثابتة:
- مغفرة الذنوب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”
(المصدر: صحيح البخاري)..
- باب الريان: للصائمين باب خاص في الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ”
(المصدر: صحيح البخاري)..
- العتق من النار: قال صلى الله عليه وسلم:
“إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ”
(المصدر: سنن ابن ماجه، حديث حسن)..
- شهر القرآن: ارتبطَ رمضان ارتباطًا وثيقًا بالقرآن الكريم، قال تعالى:
“شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ”
[سورة البقرة: 185].
- ليلة القدر: فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهر، وهي فرصة عظيمة للمسلم ليجتهد في الطاعة والعبادة.
أبرز الأعمال المستحبة في رمضان
ينبغي للمُسلم أن يحرص على استغلال كل لحظة في هذا الشهر الفضيل، ومن أفضل القربات إلى الله:
- الإكثار من قراءة القرآن: فهو شهر القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدارسه جبريل عليه السلام في كل ليلة من رمضان.
- الصدقة والإحسان: “كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَجْوَدَ الناسِ، وكان أَجْوَدُ ما يكونُ في رمضانَ” (صحيح البخاري)، ويشمل ذلك إطعام الطعام وتفريج كربات المعسرين.
- قيام الليل: خاصة في العشر الأواخر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم “إذا دخل العشرُ شدَّ مئزرَه، وأحيا ليلَه، وأيقظ أهلَه” (صحيح البخاري).
- صلة الأرحام وبر الوالدين: فهي من أعظم أسباب البركة في الرزق والعمر، ويتأكد فضلها في هذا الشهر الكريم.
- حفظ اللسان والجوارح: الصيام ليس فقط عن الطعام والشراب، بل هو جنة وحماية من الوقوع في المحرمات كالغيبة والنميمة.
- المداومة على الاستغفار: فهو سبيل لمحو الذنوب ورفع الدرجات وفتح أبواب الفرج والرحمة.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 127.
- سورة البقرة، الآية 185.
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة آل عمران، الآية 8.
- صحيح البخاري، كتاب الصوم، وكتاب فضائل ليلة القدر، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، كتاب الدعوات، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، كتاب الصيام، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء في الليلة الأخيرة من رمضان؟
لا يوجد دعاء مخصص ثابت في السنة، ولكن أفضل ما يُقال هو الأدعية الجامعة من القرآن والسنة، وعلى رأسها دعاء ليلة القدر: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، مع الإكثار من طلب القبول والمغفرة.
هل صحيح أن هناك دعاءً لوداع رمضان؟
لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء خاص لوداع رمضان، والمشروع هو أن يستمر المسلم في الدعاء والعبادة حتى آخر لحظة من الشهر، سائلاً الله القبول والثبات.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة غير الثابتة؟
البديل الصحيح والأكمل هو الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة للمعاني، عظيمة البركة، ومضمونة الإجابة بإذن الله، كما يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من خير الدنيا والآخرة بأسلوبه الخاص دون أن ينسبه للدين.

