يُعد شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة للمسلمين للتقرب إلى الله تعالى، ويعتبر الدعاء من أجلّ العبادات التي يحرص عليها الصائم، حيث يجمع بين إظهار العبودية والافتقار إلى الله، والثقة في كرمه وفضله، ومع دخول أيام الشهر الفضيل، يزداد البحث عن أدعية جامعة لخيري الدنيا والآخرة، ومن المهم أن يستند المسلم في دعائه إلى ما ثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.

خلافاً لما هو شائع، لم يرد في السنة النبوية تخصيص دعاء معين لكل يوم من أيام رمضان، بل الباب مفتوح للمسلم أن يدعو بما يشاء من الأدعية الصحيحة والمأثورة في أي وقت، خاصة في الأوقات التي يُرجى فيها إجابة الدعاء كالثلث الأخير من الليل، وعند الإفطار، وبين الأذان والإقامة.
أدعية ثابتة من القرآن والسنة يُستحب الإكثار منها في رمضان
هذه مجموعة من الأدعية الصحيحة والمباركة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها في أي يوم من أيام رمضان، وهي تجمع بين طلب الخير في الدنيا والآخرة:
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة (من القرآن الكريم):.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201].
- دعاء لطلب العفو والمغفرة (خاصة في العشر الأواخر):.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال:
“قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، (رواه الترمذي، حديث صحيح).
- دعاء الكرب والهم:.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال:
“يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ”، (رواه الترمذي، حديث حسن).
- دعاء طلب صلاح الشأن كله:.
من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
“أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ”، (جزء من حديث رواه أبو داود والنسائي، حديث حسن).
- دعاء طلب العلم النافع والقلب الخاشع:.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا”، (رواه مسلم).
- دعاء الثبات على الدين:.
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ” [آل عمران: 8].

صيغ منتشرة منسوبة لأيام رمضان
ينتشر بين الناس دعاء يُنسب لليوم الثاني من رمضان نصه: “عن ابن عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: “اللَّهُمَّ قَرِّبْنِي فِيهِ إِلَى مَرْضَاتِكَ، وَجَنِّبْنِي سَخَطَكَ وَنَقِمَاتِكَ، وَوَفِّقْنِي فِيهِ لِقِرَاءَةِ آيَاتِكَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ”.”
تنبيه هام وحكم الدعاء: هذا الحديث وما يشابهه من الأدعية المخصصة لكل يوم من رمضان لا أصل له في كتب السنة المعتمدة وهو حديث موضوع ومكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها غنية عن الأدعية المبتدعة، ولا يجوز نسبة هذا الدعاء للنبي ﷺ.
أدعية عامة يمكن الدعاء بها في رمضان
يمكن للمسلم أن يدعو بصيغ عامة تحمل معاني طيبة، ما دامت لا تتعارض مع الشرع، ومن أمثلة ذلك (مع التنبيه أنها ليست من السنة النبوية نصًا):

- اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَاجْعَلْنَا مِنْ عُتَقَائِكَ مِنَ النَّارِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي.
- يَا رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ.
- رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، (مقتبس من سورة الأحقاف، الآية 15).









أعمال مستحبة في شهر رمضان
إلى جانب الدعاء، يُستحب للمسلم أن يملأ وقته في رمضان بالطاعات التي تقربه من الله تعالى، ومن أبرز هذه الأعمال:
- قراءة القرآن الكريم وتدبره: فشهر رمضان هو شهر القرآن، وكان السلف الصالح يكثرون من تلاوته وختمه في هذا الشهر الفضيل.
- الإكثار من النوافل: كصلاة التراويح وقيام الليل والسنن الرواتب، فهي تجبر نقص الفرائض وترفع الدرجات.
- أداء العمرة: لمن استطاع إليها سبيلاً، فإن “عمرة في رمضان تعدل حجة” كما ورد في الحديث الصحيح.
- صلة الرحم: يُعد رمضان فرصة عظيمة لتوثيق الروابط الأسرية وزيارة الأقارب والتواصل معهم، فهي من أعظم أسباب البركة في الرزق والعمر.
- الصدقة والإحسان: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فاحرص على الصدقة اليومية ولو بالقليل، وتفطير الصائمين، ومساعدة المحتاجين.
إن الجمع بين هذه العبادات مع الدعاء الخالص بخشوع وتضرع هو السبيل الأمثل لاستثمار هذا الشهر الكريم، لننال رحمة الله ومغفرته والعتق من النار.
كيف نستقبل شهر رمضان؟
استقبال شهر رمضان يتطلب استعداداً روحياً وعملياً لتحقيق أقصى استفادة من أيامه ولياليه المباركة، إليك أهم الخطوات:
- التوبة الصادقة: العودة إلى الله بقلب منيب، والإقلاع عن الذنوب، والعزم على عدم الرجوع إليها، هي أفضل بداية لهذا الشهر.
- الدعاء ببلوغ الشهر: كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم، فادعُ الله أن يبلغك الشهر ويعينك على طاعته.
- تصفية القلوب: المبادرة بالصلح وإنهاء الخصومات مع الأقارب والأصدقاء، فسلامة الصدر من أسباب قبول العمل.
- الفرح بقدومه: استشعار نعمة بلوغ هذا الموسم العظيم، فهو من تعظيم شعائر الله.
- التخطيط المسبق: وضع جدول عملي لتنظيم الوقت بين العبادة والعمل والراحة، وتحديد أهداف واقعية كختم القرآن، والالتزام بصلاة التراويح، والتصدق بمبلغ معين.
- تعلم فقه الصيام: مراجعة أحكام الصيام ومفسداته وآدابه لضمان صحة العبادة.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة آل عمران، الآية 8.
- سنن الترمذي، حديث رقم 3513، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3524، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2722، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- فتاوى أهل العلم حول الأدعية المخصصة لأيام رمضان، وبيان أنها لا أصل لها.
أسئلة شائعة
هل يوجد دعاء مخصص لليوم الثاني من رمضان؟
لا، لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة وجود دعاء مخصص لليوم الثاني أو أي يوم آخر من أيام رمضان، والأحاديث المنتشرة في هذا الشأن موضوعة ولا أصل لها.
ما هو أفضل دعاء يمكن قوله في رمضان؟
أفضل الأدعية هي الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل: “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً…”، و”اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”.
ما هي أوقات استجابة الدعاء في رمضان؟
يُرجى استجابة الدعاء في كل وقت، ويتأكد ذلك في أوقات معينة مثل: عند الإفطار، وفي الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود.
