يُعَدُّ شهر رمضان فرصةً عظيمةً للمسلمين للتقرب إلى الله عز وجل، وتجديد العهد معه بالطاعة والعبادة، ويأتي الدعاء في مقدمة هذه العبادات، فهو صلة مباشرة بين العبد وربه، ومفتاح لنيل الرحمات والمغفرة، ومن الأهمية بمكان أن يتحرى المسلم في دعائه ما هو ثابت ومأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يلتزم بآداب الدعاء وشروطه، راجيًا من الله القبول والاستجابة.

أدعية منتشرة تُنسب لليوم الخامس عشر من رمضان

ينتشر بين بعض الناس تخصيص كل يوم من أيام رمضان بدعاء معين، ومن ذلك ما يُنسب لليوم الخامس عشر، ومن الأمثلة على هذه الصيغ المتداولة:

• الصيغة المنسوبة لابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي فِيهِ طَاعَةَ الْخَاشِعِينَ، وَاشْرَحْ فِيهِ صَدْرِي بِإِنَابَةِ الْمُخْبِتِينَ، بِأَمَانِكَ يَا أَمَانَ الْخَائِفِينَ”.
• صيغ عامة أخرى: “اللهم اجعل لي في هذا اليوم نصيبًا من صيام الصالحين وقيام الطائعين واصرف عني غفلة الغافلين واغفر لي زلاتي يا إله العالمين”.
• “اللهم أعنّي على طاعتك وأرشدني إلى العمل بأوامرك وامنحني حلاوة ذكرك وأعنّي على الإكثار من شكرك بكرمك واحفظني بعنايتك يا أكرم الأكرمين”.

تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لخيري الدنيا والآخرة.

ما حكم تخصيص اليوم الخامس عشر من رمضان بدعاء معين؟

أكد أهل العلم أن تخصيص وقت معين بعبادة معينة (كدعاء محدد في يوم معين) لم يرد به دليل شرعي صحيح يُعتبر من الأمور المحدثة، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابته الكرام أنهم خصصوا كل يوم من أيام رمضان بدعاء خاص به، والأولى بالمسلم أن يدعو بالأدعية الجامعة المأثورة من الكتاب والسنة في كل وقت، خاصة في الأوقات التي يُرجى فيها إجابة الدعاء في رمضان، مثل وقت الإفطار، وفي الثلث الأخير من الليل، وفي السجود.

أدعية صحيحة ومأثورة يُشرع الإكثار منها في رمضان وغيره

بدلاً من البحث عن أدعية مخصصة لكل يوم بغير دليل، يُستحب للمسلم أن يُكثر من الأدعية الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية، فهي أعظم بركة وأرجى للقبول، ومن هذه الأدعية:

1، أدعية من القرآن الكريم:

• دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة:
  

  “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”

  (سورة البقرة، الآية 201).

• دعاء لطلب الثبات والرحمة:
  

  “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”

  (سورة آل عمران، الآية 8).

2، أدعية من السنة النبوية الصحيحة:

• دعاء طلب العفو، خاصة في العشر الأواخر:
  

  “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”

  (رواه الترمذي وابن ماجه، حديث صحيح).

• دعاء جامع وشامل:
  

  “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ…”

  (رواه ابن ماجه وأحمد، حديث صحيح).

صيغ دعاء عامة يمكن الاستئناس بها

يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ طيبة المعنى لا تخالف الشرع، وأن يسأله من خيري الدنيا والآخرة بلغته وأسلوبه، وهذه بعض الأمثلة العامة التي يمكن الدعاء بها في كل وقت:

• اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، وَإِذَا سُئِلْتَ بِهِ أَعْطَيْتَ، أَنْ تَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِكَ الْمَقْبُولِينَ، وَأَنْ تَرْزُقَنَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَنَعِيمَ الْآخِرَةِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
• اللَّهُمَّ يَا فَارِجَ الْهَمِّ وَكَاشِفَ الْغَمِّ، يَا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ، يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، ارْزُقْنِي رَاحَةً فِي نَفْسِي، وَسَعَةً فِي رِزْقِي، وَتَيْسِيرًا لِأَمْرِي.
• اللَّهُمَّ اجْعَلْ صِيَامِي فِيهِ صِيَامَ الصَّائِمِينَ، وَقِيَامِي فِيهِ قِيَامَ الْقَائِمِينَ، وَنَبِّهْنِي فِيهِ عَنْ نَوْمَةِ الْغَافِلِينَ، وَهَبْ لِي جُرْمِي فِيهِ يَا إِلَهَ الْعَالَمِينَ، وَاعْفُ عَنِّي يَا عَافِيًا عَنِ الْمُجْرِمِينَ.

فضل الدعاء وأهميته في شهر رمضان

يحتل الدعاء منزلة عظيمة في الإسلام، فهو العبادة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو وسيلة العبد للجوء إلى خالقه والاعتراف بفقره وحاجته إليه، وقد أمر الله تعالى عباده بالدعاء ووعدهم بالإجابة، فقال سبحانه:

“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ”

(سورة غافر، الآية 60).

ويزداد فضل الدعاء في شهر رمضان، حيث تجتمع أسباب القبول من شرف الزمان وحال الصيام والانكسار بين يدي الله، ومن فضائل الدعاء:

• تحقيق العبودية: الدعاء هو إظهار لافتقار العبد إلى ربه، واعتراف بقدرته وعظمته، وهذا هو جوهر العبودية.
• سبب لدفع البلاء: الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، وهو سلاح المؤمن الذي يلجأ إليه في الشدائد.
• نيل الأجر والثواب: كل دعاء يدعو به المسلم هو عبادة يُثاب عليها، سواء استُجيب له في الدنيا، أو صُرف عنه من السوء مثله، أو ادُّخر له أجره في الآخرة.
• طمأنينة القلب: مناجاة الله تعالى واللجوء إليه تبعث في النفس السكينة والطمأنينة والرضا بقضاء الله وقدره.

لذا، ينبغي على المسلم أن يغتنم أيام وليالي رمضان المباركة، فيُكثر من الدعاء لنفسه وأهله والمسلمين، ويلحّ في طلبه، موقنًا بالإجابة وحسن الظن بالله تعالى.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة

هل يوجد دعاء مخصص لليوم الخامس عشر من رمضان؟

لا، لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة أو عن الصحابة الكرام وجود دعاء مخصص لليوم الخامس عشر من رمضان أو أي يوم آخر بعينه، والأفضل هو الدعاء بالأدعية المأثورة الجامعة في كل وقت.

ما هو أفضل دعاء يمكنني قوله في رمضان؟

من أفضل الأدعية في رمضان، وخاصة في العشر الأواخر، هو دعاء: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، كما أن الأدعية المأخوذة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة هي الأفضل دائمًا لأنها جامعة للخير ومباركة.

هل يجوز لي أن أدعو بصيغ من عندي لم ترد في السنة؟

نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة وبأي صيغة طيبة، بشرط ألا تحتوي على اعتداء في الدعاء أو معنى يخالف الشريعة الإسلامية، ولكن يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة أفضل وأكمل.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر