يُعَدُّ قول “حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ” من أعظم الأذكار وأجلّ العبادات القلبية التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، فهو يجسّد كمال التوكل على الله وتفويض الأمر إليه، ويمنح قائله شعوراً بالطمأنينة والقوة، خاصة في أوقات الشدائد والملمات، إن هذا الذكر ليس مجرد كلمات تُردد، بل هو عقيدة راسخة بأن الله تعالى هو الكافي لعبده، وأفضل من تُوكل إليه الأمور.
وقد استمد هذا الدعاء المبارك مكانته من وروده في كتاب الله العزيز وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث كان ملاذ الأنبياء والصالحين عند مواجهة التحديات، مما يجعله منهجاً إيمانياً متكاملاً يعزز اليقين ويزرع الأمل في القلوب.
المعنى العميق لقول “حسبي الله ونعم الوكيل”
تتضمن هذه العبارة الجليلة معاني إيمانية عميقة، ويمكن تفصيلها على النحو التالي:
- حَسْبِيَ الله: كلمة “حسبي” مشتقة من “الحسب” وهو الكفاية، فقولك “حسبي الله” يعني: الله وحده كافيني في جميع أموري، فهو الذي يدفع عني ما أخشاه، ويجلب لي ما أرجوه.
- وَنِعْمَ الْوَكِيل: “نِعْمَ” هي فعل للمدح والثناء، و”الوكيل” هو الذي تُفَوَّض إليه الأمور ليتصرف فيها ويقوم عليها، فالمعنى: أمدح وأثني على ربي، فهو أفضل وكيل يُعتمد عليه ويُفوَّض إليه الأمر، لكمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته.
فالعبارة بمجملها تعني: “الله يكفيني، وهو أفضل من أتوكل عليه في كل شؤوني”، وهي إعلان من العبد بفقره إلى الله وغنى الله عنه، وتسليم مطلق لقضائه وتدبيره.
الأصل الشرعي لذكر “حسبي الله ونعم الوكيل”
إن لهذا الذكر أساساً متيناً في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مما يؤكد فضله ومكانته العظيمة.
أولاً: في القرآن الكريم
ورد هذا الذكر في سورة آل عمران في سياق الثناء على المؤمنين الثابتين الذين لم يتزعزع إيمانهم رغم التهديد والوعيد، قال تعالى:
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
[سورة آل عمران: 173]
ثانياً: في السنة النبوية المطهرة
ثبت هذا الذكر في عدة أحاديث صحيحة وحسنة، منها:
- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:
“حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: “إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”.
(حديث صحيح، رواه البخاري)..
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صاحب الصور (إسرافيل)، فشق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم:
قولوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا.
(حديث حسن، رواه الترمذي)..
- وردت صيغة قريبة في أذكار الصباح والمساء:
مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ، كَفَاهُ اللَّهُ مَا أَهَمَّهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
(حديث ضعيف، لكن عمل به بعض أهل العلم في فضائل الأعمال)..
تنبيه: انتشرت بعض الأحاديث الضعيفة جداً أو الموضوعة في فضل هذا الذكر، مثل حديث: “إذا وقعتم في شدة عظيمة، فقولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل”، وحديث: “إن الله لا يحب العجز..، فإن غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل”، وكلاهما لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فضل قول “حسبي الله ونعم الوكيل” عند الظلم
لتكرار هذا الذكر أثر عظيم، خاصة لمن وقع عليه ظلم، وتتجلى فضائله في النقاط التالية:
- تحقيق التوكل الكامل: يعبر المظلوم بهذا الدعاء عن تفويضه الكامل لأمره إلى الله العادل، ويقينه بأنه سبحانه سينصره ويأخذ له حقه.
- سكينة القلب والطمأنينة: يجد المظلوم في هذا الذكر سلوى وراحة، حيث يسلم قضيته إلى القوي العزيز، مما يزيل من قلبه مشاعر القهر والعجز ويستبدلها بالسكينة والرضا.
- استجابة الدعاء: دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وقوله “حسبي الله” هو من أقوى صور الدعاء، وقد توعّد الله بنصرة المظلوم ولو بعد حين.
- تطهير النفس: يساهم اللجوء إلى الله في تنقية القلب من الرغبة في الانتقام الشخصي أو الحقد، حيث يكل العبد الأمر لصاحب الأمر، ويرضى بحكمه وعدله.
صيغ وأدعية شائعة للدعاء على الظالم
يتداول الناس بعض الصيغ التي يمكن للمظلوم أن يدعو بها، وهي تعبر عن لجوئه إلى الله وتوكله عليه في رد مظلمته، وهذه الأدعية، وإن لم ترد بنصها في السنة، إلا أن معناها صحيح ويمكن الدعاء بها.
- اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، اجْبُرْنِي جَبْرًا يَلِيقُ بِجَلَالِكَ وَعَظَمَتِكَ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي نَصْرًا مُؤَزَّرًا، فَإِنَّكَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
- اللَّهُمَّ أَرِنِي فِي مَنْ ظَلَمَنِي عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ، وَخُذْهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، فَإِنِّي قَدْ فَوَّضْتُ أَمْرِي كُلَّهُ إِلَيْكَ، وَأَنْتَ نِعْمَ الْوَكِيلُ.
- يَا رَبِّ، أَنْتَ حَسْبِي وَكَافِيَّ، وَأَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ارْفَعْ عَنِّي الظُّلْمَ وَأذَاهُ، وَكُنْ لِي عَوْنًا وَسَنَدًا يَا جَبَّارَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
- رَبَّنَا إِنَّا مَغْلُوبُونَ فَانْتَصِرْ، وَاجْبُرْ قُلُوبَنَا الْمُنْكَسِرَةَ، وَلَا تَجْعَلْ لِلظَّالِمِينَ عَلَيْنَا سَبِيلًا، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
- اللَّهُمَّ يَا مَنْ قُلْتَ: “إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي”، انْتَقِمْ لِي مِمَّنْ ظَلَمَنِي، وَأَعِدْ إِلَيَّ حَقِّي، وَاجْعَلْ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ خُسْرَانًا.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي من الأدعية العامة التي يتداولها بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، والدعاء بالمعنى الصحيح جائز ما لم يتضمن اعتداءً.
هل حديث “عندما يمتلئ الإناء بحسبنا الله ونعم الوكيل” صحيح؟
ينتشر بين الناس حديث منسوب للنبي صلى الله عليه وسلم أنه سُئل: “متى تنتهي الحرب؟”، فقال: “عندما يمتلئ الوعاء بحسبنا الله ونعم الوكيل”.
الحكم الشرعي: هذا الحديث لا أصل له في كتب السنة المعتمدة، ويُعد من الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تجوز روايته أو نسبته إليه، والثابت الصحيح هو أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة قالوا “حسبنا الله ونعم الوكيل” في مواقف الشدة، كما في غزوة حمراء الأسد.
تصميمات وصور لدعاء “حسبي الله ونعم الوكيل”
قد يلجأ البعض إلى نشر صور وتصميمات تحمل هذا الذكر العظيم، وفي حين أن التذكير به أمر حسن، يجب الانتباه إلى أن فضل الذكر لا يرتبط بنشر الصور أو تكراره لعدد معين (مثل 1000 مرة) لم يرد به دليل شرعي، العبرة في الذكر هي بحضور القلب، واليقين الصادق بالله، والإخلاص له، وليس بالكمية أو طريقة النشر.
المصادر والمراجع
- سورة آل عمران، الآية 173.
- صحيح البخاري، حديث رقم 4563، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3243، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- الحديث القدسي “يا عبادي إني حرمت الظلم…”، رواه مسلم، حديث رقم 2577.
الأسئلة الشائعة
ما هو المعنى الدقيق لـ “حسبي الله ونعم الوكيل”؟
معناها: الله وحده كافيني في جميع أموري، وهو أفضل من أعتمد عليه وأفوّض إليه شؤوني.
هل هذا الدعاء خاص بالمظلوم فقط؟
لا، هذا الذكر ليس خاصاً بالمظلوم فقط، بل هو ذكر عام يُقال في كل أحوال الشدة والضيق، وعند الخوف، ولطلب الكفاية من الله في كل الأمور، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
هل هناك عدد معين لتكرار هذا الذكر؟
لم يرد في السنة الصحيحة تحديد عدد معين لقول “حسبنا الله ونعم الوكيل”، إلا ما ورد في حديث أذكار الصباح والمساء بصيغة “حسبي الله لا إله إلا هو…” سبع مرات، وهو حديث ضعيف، والأصل هو الإكثار من هذا الذكر دون تقييد بعدد، فالعبرة بالصدق واليقين.
ما هو البديل الصحيح للأحاديث الضعيفة المنتشرة؟
البديل الصحيح هو الاكتفاء بما ثبت في القرآن الكريم (آية آل عمران) والأحاديث الصحيحة (حديث ابن عباس في صحيح البخاري)، فهي كافية لبيان فضل هذا الذكر ومكانته العظيمة.




