يواجه الإنسان في حياته أقدارًا قد تغيّر مجرى أيامه؛ فمنها ما يكون أبوابًا للخير الذي طالما رجاه، ومنها ما يكون اختبارًا لقوة صبره وثبات إيمانه، وفي كل أحواله، يجد المؤمن في اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء ملاذًا وسكينةً، فهو يسأل ربه أن يرفع عنه ما يثقل روحه، وأن يقدّر له الخير حيث كان، وأن يملأ قلبه بالرضا واليقين.

إن العلاقة بين الدعاء والقضاء من الأمور التي ينبغي للمسلم فهمها؛ فالدعاء من أعظم العبادات وهو من قدر الله أيضًا، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أثر الدعاء، حيث قال:

“لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلَّا البِرُّ.” (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

ومعنى الحديث أن الدعاء سبب جعله الله تعالى لدفع المكروه، فإذا دعا العبد ربه بصدق وإخلاص، فإن الله قد يرفع عنه بلاءً كان مُقدّرًا أن ينزل به، وهذا الرفع هو أيضًا من قدر الله تعالى.

أدعية مأثورة من القرآن والسنة لرفع البلاء وطلب الخير

الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة مباركة، فيها الخير كله، ومن هذه الأدعية:

• دعاء يونس عليه السلام في بطن الحوت: وهو من أعظم الأدعية لتفريج الكروب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
  

  “دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ.” (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

  .

• دعاء الكرب: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به عند الشدة.
  

  “اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.” (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

  .

• الدعاء الجامع لخيري الدنيا والآخرة: وهو أكثر دعاء كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم.
  

  “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.” [البقرة: 201].

  .

• دعاء الاستعاذة من سوء القضاء: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
  

  “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البَلاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ.” (متفق عليه).

  .

أدعية عامة يمكن الدعاء بها

يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ الدعاء التي تحمل معاني طيبة ولا تخالف الشرع، وإن كان الالتزام بالمأثور هو الأفضل والأكمل، وهذه أمثلة على أدعية عامة يمكن الاستئناس بها لطلب الخير ودفع الضر:

• اللَّهُمَّ يَا مُغَيِّرَ الأَحْوَالِ غَيِّرْ حَالَنَا إِلَى أَحْسَنِ حَالٍ، وَسَخِّرْ لَنَا مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا مَا تَعْلَمُ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ مَا هُوَ شَرٌّ لَنَا.
• يَا رَبِّ، أَنْتَ وَحْدَكَ مَنْ يَمْلِكُ الأَمْرَ كُلَّهُ، فَاجْعَلْ لَنَا فِي كُلِّ قَضَاءٍ خَيْرًا، وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ الأَقْدَارِ، وَهَبْ لَنَا مِنْ رَحْمَتِكَ مَا يُغْنِينَا عَنْ سِوَاكَ.
• اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي، (هذا الدعاء مأثور من أذكار الصباح والمساء).
• اللَّهُمَّ أَرِنِي عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ فِي تَيْسِيرِ أَمْرِي وَتَفْرِيجِ كَرْبِي، وَارْزُقْنَا أَفْضَلَ مَا قَسَمْتَ لِعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ مِنْ أَقْدَارٍ، وَاكْتُبْ لَنَا الخَيْرَ فِي خُطُوَاتِنَا كُلِّهَا.

تنبيه هام: بعض الصيغ والأدعية المنتشرة بين الناس قد لا تكون ثابتة بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وفيها غنية عن غيرها.

دعاء للوقاية من البلاء قبل وقوعه

المؤمن الكيّس هو من يأخذ بأسباب الوقاية، وأعظمها الدعاء واللجوء إلى الله تعالى لحفظه من المصائب قبل نزولها، ومن الأدعية النبوية العظيمة في هذا الباب:

• سيد الاستغفار: وهو من أسباب حفظ الله للعبد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ”.
  

  “اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ.” (رواه البخاري).

  .

• دعاء الحفظ من كل سوء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ:
  

  بِسْمِ اللهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَيَضُرَّهُ شَيْءٌ.” (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

  .

على المسلم أن يرضى بقضاء الله وقدره، وأن يستقبل ما كتبه الله له بقلبٍ مطمئن، فإذا نزل به البلاء، فليعلم أنه اختبار من الله، وليهرع إليه بالتضرع والدعاء ليكشف عنه الكرب، إن التسليم لحكمة الله والثقة في تدبيره هما السبيل إلى طمأنينة القلب وسكينة الروح.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة

هل يمكن للدعاء أن يغير القدر حقًا؟

نعم، الدعاء يرد القضاء كما ورد في الحديث الشريف، ويوضح العلماء أن القضاء نوعان: قضاء مُبرم لا يتغير، وقضاء مُعلّق قد يتغير بأسباب جعلها الله، ومن أعظم هذه الأسباب الدعاء، وفي النهاية، كل ذلك بعلم الله وتقديره الأزلي.

ما هو أفضل وقت للدعاء لرفع البلاء؟

يستجاب الدعاء في كل وقت، ولكن هناك أوقات وآداب تزيد من فرصة الإجابة، منها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة، وعند نزول المطر، كما أن الدعاء بقلب حاضر وموقن بالإجابة من أهم أسباب القبول.

هل هناك صيغة دعاء محددة لتغيير القدر؟

لا توجد صيغة واحدة محددة لهذا الغرض، ولكن الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل دعاء الكرب، ودعاء الاستعاذة من سوء القضاء، ودعاء يونس عليه السلام، هي من أفضل ما يُدعى به لطلب الخير ودفع الضر وتفريج الكروب.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر