إن الابتلاء سنة إلهية ماضية في الخلق، يختبر الله بها عباده ليميز الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، وقد بيّن الله -سبحانه وتعالى- هذه الحقيقة في كتابه الكريم، فقال:
“وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” [البقرة: 155].
توضح هذه الآية الكريمة أن الابتلاء لا يقتصر على المرض، بل يشمل صوراً متعددة كالقلق، والفقر، وفقدان الأحبة، وفي مواجهة هذه المحن، يُعد الصبر واللجوء إلى الله بالدعاء من أعظم أسباب الثبات والفرج، فالدعاء هو العبادة، وهو سلاح المؤمن الذي يستعين به على كشف الكروب وتفريج الهموم، مع اليقين التام بأن الله وحده القادر على رفع البلاء وإجابة الدعاء.
أدعية صحيحة من السنة النبوية لرفع البلاء والكرب
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي دعا بها خير الخلق صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الأدعية:
- دعاء الكرب:
«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ».
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6346؛ صحيح مسلم، حديث رقم 2730).
- دعاء ذي النون (يونس عليه السلام):
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87].
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عنها:
“دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ”.
(المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3505، وصححه الألباني).
- دعاء تفريج الهم والحزن:
«اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي».
(المصدر: مسند أحمد، حديث رقم 3712، وصححه الألباني).
- دعاء الاستعاذة من المصائب:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ».
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6347).
- دعاء حفظ النعم والعافية:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ».
(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2739).
- لطلب رحمة الله وإصلاح الشأن:
«اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ».
(المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 5090، وحسنه الألباني).
- للتحصين من كل ضر:
«بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (ثلاث مرات صباحاً ومساءً).
(المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3388، وقال: حديث حسن صحيح).
أدعية جامعة من السنة لخيري الدنيا والآخرة
هذه أدعية عظيمة وردت في السنة النبوية، تجمع بين طلب خير الدنيا والآخرة، ويُستحب الدعاء بها في كل وقت وحين، خاصة عند الشدائد.
- دعاء جامع وشامل:
«اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا».
(المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3502، وقال: حديث حسن غريب).
- سيد الاستغفار:
«اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ».
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306).
- دعاء زيارة المريض:
“أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ” (يُقال سبع مرات).
(المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 3106، وصححه الألباني).
صيغ وأدعية عامة لرفع البلاء
إلى جانب الأدعية المأثورة من القرآن والسنة، يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ طيبة لا تخالف الشرع، خاصة إذا كانت تجمع معاني التوحيد والافتقار إلى الله، وهذه أمثلة على أدعية عامة نافعة بإذن الله.
- “اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كُلُّهُ، لَا قابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلا هَادِيَ لِمَنْ أَضْلَلْتَ، وَلا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ”.
- “اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، وَاحْفَظْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شَمَائِلِنَا، وَمِنْ فَوْقِنَا، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا”، (هذا الدعاء مقتبس في معناه من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في أذكار الصباح والمساء).
- “يَا كَاشِفَ الضُّرِّ وَيَا دَافِعَ البَلَاءِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعَاءَ، وَتُنْزِلُ النِّقَمَ، وَتُزِيلُ النِّعَمَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي أدعية عامة حسنة المعنى، ولم تثبت كنصوص محددة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكيفية، الدعاء عبادة، والأفضل والأكمل هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير.
أسباب شرعية لرفع البلاء
بيّن الله عز وجل ورسوله ﷺ أن هناك أسباباً شرعية، إذا أخذ بها العبد، كانت عوناً له على رفع البلاء وتفريج الكروب، ومن أهم هذه الأسباب:
- تقوى الله تعالى: وهي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، قال تعالى:
“وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” [الطلاق: 2-3].
فالتقوى هي أعظم أسباب النجاة والفرج.
- أعمال البر والإحسان: كإطعام الجائع، وتفريج كرب المكروبين، والصدقة، فإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ”.
(رواه البيهقي وحسنه الألباني).
- التوبة والاستغفار: فإن كثيراً من البلاء ينزل بسبب الذنوب، ولا يُرفع إلا بالتوبة، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام:
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا” [نوح: 10-11].
.
أحاديث نبوية في فضل الصبر على البلاء
لقد أرشدنا النبي ﷺ إلى عظيم أجر الصبر عند نزول المصائب، وأنها سبب لتكفير الخطايا ورفعة الدرجات.
- قال النبي ﷺ:
«عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».
(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2999).
- وقال ﷺ:
«مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ».
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 5641).
- وقال ﷺ:
«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ».
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 5645).
- وقال ﷺ:
«إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ».
(المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 2396، وحسنه الألباني).
آيات قرآنية عن الصبر والابتلاء
القرآن الكريم مليء بالآيات التي تحث على الصبر وتبشر الصابرين بالأجر العظيم والمعية الإلهية.
-
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]
.
-
{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157]
.
-
{…وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]
.
-
{إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90]
.
-
{سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 24]
.
-
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]
.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 155.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة الطلاق، الآيتان 2-3.
- سورة نوح، الآيتان 10-11.
- سورة الزمر، الآية 10.
- صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود، ومسند الإمام أحمد، (يمكن مراجعة الأحاديث وأرقامها على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء لرفع البلاء؟
أفضل الأدعية هي ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل “دعاء الكرب” (لا إله إلا الله العظيم الحليم…)، ودعاء يونس عليه السلام (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فهي أدعية عظيمة ومباركة ولها فضل خاص وردت به النصوص.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم، ومع ذلك، يبقى الدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل والأعظم أجراً.
ما هو الوقت الأفضل للدعاء؟
الدعاء مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر.




