إن الشعور بالضيق والقهر الناتج عن الظلم قد يُفقد الإنسان لذة الحياة، ويُثقل كاهله بالهموم، وفي هذه اللحظات، يتجلى وعد الله الحق بنصرة المظلوم، فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من الظلم وعواقبه، مؤكداً على مكانة دعوة المظلوم.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن، فقال:

“اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ”

المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 2448 (حديث صحيح).

ويلجأ المسلم إلى الله تعالى، رافعاً أكف الضراعة، سائلاً المولى عز وجل العدل والنصرة، وفيما يلي مجموعة من الأدعية الثابتة والصيغ العامة التي يمكن للمظلوم أن يناجي بها ربه.

أدعية ثابتة من القرآن والسنة النبوية

الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي لا يُعلى عليها، ومن هذه الأدعية:

• دعاء موسى عليه السلام على فرعون وملئه: وهو دعاء من القرآن الكريم لإنزال العقوبة بمن طغى وتجبر.
  

  “وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ”

  المصدر: [سورة يونس: 88].

• دعاء نوح عليه السلام على قومه: وهو دعاء بالهلاك على القوم الظالمين الذين كذبوا نبيهم.
  

  “رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا”

  المصدر: [سورة نوح: 26].

• دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على الأحزاب: وهو دعاء عظيم يُقال عند مواجهة عدو قوي أو ظالم متجبر.
  

  “اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ”

  المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 2933 (حديث صحيح).

• دعاء “حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”: وهي الكلمة التي قالها إبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له: “إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ”.
  

  “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”

  المصدر: [سورة آل عمران: 173].

أمثلة على صيغ دعاء شائعة للمظلوم

هناك بعض الصيغ التي يتداولها الناس للدعاء على من ظلمهم، وهي أدعية عامة لم ترد في نصوص شرعية محددة، ولكن معانيها قد تكون صحيحة في مجملها، ومن أمثلتها:

• يَا رَبِّ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ ظَلَمَنِي، اللَّهُمَّ خَيِّبْ أَمَلَهُ، وَأَشْغِلْهُ فِي بَدَنِهِ، وَاجْعَلْ حُزْنَهُ مُقِيمًا، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، فَإِنَّكَ تَرَاهُ وَلَا أَرَاهُ، وَأَنْتَ الْقَادِرُ عَلَيْهِ، حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
• اللَّهُمَّ انْتَقِمْ مِنْ كُلِّ ظَالِمٍ فِي لَيْلَةٍ لَا أُخْتَ لَهَا، وَسَاعَةٍ لَا مَنْجَى مِنْهَا، وَابْتَلِهِ بِمُصِيبَةٍ لَا يَقْوَى عَلَيْهَا، وَاجْعَلْ نِعْمَتَهُ نِقْمَةً عَلَيْهِ، وَأَرِهِ قُوَّتَكَ وَجَبَرُوتَكَ يَا قَوِيُّ يَا جَبَّارُ.
• رَبِّ إِنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَيْكَ، فَأَنْتَ حَسْبِي وَنِعْمَ النَّصِيرُ، يَا مَنْ إِلَيْهِ الْمَلْجَأُ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَرْفَعَ عَنِّي ظُلْمَ الظَّالِمِينَ وَتُجْبِرَ ضَعْفِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
• يَا رَبِّ، أَنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ حَالِي، أَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى وَصِفَاتِكَ الْعُلَا أَنْ تَأْخُذَ لِي حَقِّي مِمَّنْ ظَلَمَنِي، وَأَنْ تُنْزِلَ عَلَى قَلْبِي السَّكِينَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ يَا جَبَّارَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.

تنبيه هام وحكم استخدام هذه الصيغ

تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة.

يجوز للمسلم أن يدعو بأدعية من عنده ما دامت معانيها صحيحة ولا تحتوي على اعتداء في الدعاء، ومع ذلك، يبقى الأفضل والأكمل هو الدعاء بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها أجمع للخير وأبعد عن الخطأ والاعتداء.

آثار الظلم في الدنيا والآخرة

الظلم من كبائر الذنوب التي حذّر منها الإسلام، لما له من عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، فهو لا يصدر إلا عن نفس تفتقر إلى الإيمان والرحمة، وآثاره تعود بالهلاك على صاحبه:

• غضب الله تعالى: الظلم يجلب على صاحبه سخط الله وعقابه في الدنيا والآخرة.
• ظلمات يوم القيامة: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الظلم ظلمات يوم القيامة، حيث يجد الظالم نفسه في كرب عظيم لا مخرج منه.
• حرمان الشفاعة: قد يُحرم الظالم من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحساب.
• هلاك الأمم: يُعد الظلم سبباً رئيسياً في زوال النعم وهلاك المجتمعات والحضارات، فالعدل أساس الملك.
• فساد المجتمع: يؤدي انتشار الظلم إلى اختلال موازين المجتمع، ويعيق تقدمه وتطوره، ويشغل أفراده بالصراعات بدلاً من البناء.

لذلك، لا يمكن لمجتمع أن ينهض أو يتقدم في ظل غياب العدل، فهو الضمانة الأساسية لحفظ الحقوق واستقرار الحياة.

أسئلة شائعة

ما حكم الدعاء على الظالم؟

يجوز للمظلوم أن يدعو على من ظلمه بقدر مظلمته دون اعتداء أو تجاوز، ودليل ذلك قول الله تعالى:

“لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ”

[النساء: 148]، والأفضل من ذلك هو العفو والصفح إن كان قادراً عليه، أو الدعاء له بالهداية.

ما هو أفضل وقت لدعاء المظلوم؟

دعوة المظلوم مستجابة في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة.

هل دعوة المظلوم مستجابة دائماً؟

نعم، دعوة المظلوم مستجابة كما ورد في الحديث الصحيح، ولكن استجابة الله للدعاء قد تكون على صور مختلفة: فقد يعجل الله له النصر في الدنيا، أو يدفع عنه من السوء مثلها، أو يدخرها له أجراً وثواباً في الآخرة، وهو خير له.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر