يُعد بر الوالدين، وخاصة الأم، من أعظم القربات إلى الله تعالى، فمكانتها في الإسلام رفيعةٌ وعطاؤها لا يضاهى، إنها نبع الحنان، ومصدر التضحية، والسند الذي لا يميل، وقد حثّ الشرع الحنيف على الإحسان إليها قولاً وعملاً، ومن أصدق صور هذا الإحسان وأجلّها هو الدعاء الصادق لها في كل حين، فهو تعبيرٌ عن الامتنان والاعتراف بالفضل، ووسيلة لطلب الخير لها في الدنيا والآخرة، نسأل الله أن يحفظ أمهاتنا، ويمنحهن الصحة والعافية، وأن يرحم من انتقلت منهن إلى جواره، ويجزيهن عنا خير الجزاء.
أدعية قرآنية ونبوية في بر الوالدين
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة مباركة، ومنها ما يخص الوالدين:
- دعاء قرآني جامع: أمر الله تعالى عباده بالدعاء للوالدين بالرحمة، وهو من أعظم صور البر، فقال عز وجل:.
“وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” [الإسراء: 24]
- من دعاء الأنبياء لوالديهم: ورد في القرآن الكريم دعاء سيدنا نوح عليه السلام، وهو يشمل الوالدين والمؤمنين:.
“رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ…” [نوح: 28]
دعاء للأم بالصحة والسعادة وطول العمر
يمكن للمسلم أن يدعو لوالدته بما يفتح الله عليه من الأدعية الطيبة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، ومن الصيغ الحسنة في هذا الباب:
اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، أَنْ تُلبِسَ أُمِّي ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَأَنْ تَمُدَّ فِي عُمْرِهَا عَلَى طَاعَتِكَ، وَأَنْ تَجْعَلَ سَعَادَتَهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.- يَا رَبِّ، بَارِكْ لِي فِي أُمِّي وَاحْفَظْهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ، وَارْزُقْهَا رَاحَةَ الْبَالِ وَطُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ، وَاجْعَلْهَا مِنْ أَسْعَدِ خَلْقِكَ فِي الدَّارَيْنِ.
دعاء للأم المريضة بالشفاء العاجل
من الأدعية المأثورة التي يُدعى بها للمريض، ويمكن تخصيصها للأم:
- اللَّهُمَّ ربَّ النَّاسِ، أَذْهِب الْبَأسَ، اشْفِ أُمِّي وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا، (مستنبط من حديث متفق عليه).
- أَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ، رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، أَنْ يَشْفِيَ أُمِّي، (تُقال سبع مرات كما ورد في السنة).
- اللَّهُمَّ اشْفِ أُمِّي وَعَافِهَا، وَأَلْبِسْهَا لِبَاسَ الصِّحَّةِ، وَاجْعَلْ مَا أَصَابَهَا طَهُورًا وَكَفَّارَةً لِذُنُوبِهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
دعاء للأم المتوفاة بالرحمة والمغفرة
الدعاء للوالدين بعد موتهما من أعظم صور البر التي لا تنقطع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” [صحيح مسلم].
- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمِّي وَارْحَمْهَا، وَعَافِهَا وَاعْفُ عَنْهَا، وَأَكْرِمْ نُزُلَهَا، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهَا، وَاغْسِلْهَا بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهَا مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهَا دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهَا، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهَا، وَأَدْخِلْهَا الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ قَبْرَهَا رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَلَا تَجْعَلْهُ حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النَّارِ، اللَّهُمَّ آنِسْ وَحْشَتَهَا، وَارْفَعْ دَرَجَتَهَا فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهَا فِي عَقِبِهَا فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
كيف يكون بر الأم؟
برّ الأم من أعظم القربات وأجلّ الطاعات، وهو طريقٌ إلى رضا الله تعالى ودخول الجنة، ويتحقق برها من خلال عدة أمور عملية وإيمانية:
- الطاعة في المعروف: طاعتها في كل ما تأمر به ما لم يكن فيه معصية لله.
- الإحسان إليها: خدمتها، وتفقد احتياجاتها، والإنفاق عليها بسخاء نفس، وتجنب كل ما يؤذيها من قول أو فعل.
- التواضع وخفض الجناح: معاملتها بلين ورحمة، وعدم رفع الصوت عليها أو إظهار التضجر والتأفف من طلباتها، امتثالاً لقوله تعالى:.
“فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا” [الإسراء: 23]
- الدعاء لها: الإكثار من الدعاء لها في حياتها وبعد مماتها، فهو من أعظم صور البر وأنفعه.
- صلة رحمها: إكرام صديقاتها وأقاربها وصلة من كانت تصله في حياتها، فهذا من تمام البر بها.
فضل الأم ومكانتها العظيمة في الإسلام
لقد كرّم الإسلام الأم تكريماً عظيماً وجعل برها مقدماً على غيره في كثير من المواضع، ويتجلى ذلك في الحديث الصحيح:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ:
«أُمُّكَ»
قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:
«ثُمَّ أُمُّكَ»
قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:
«ثُمَّ أُمُّكَ»
قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:
«ثُمَّ أَبُوكَ»
هذا الحديث (متفق عليه) يؤكد على المكانة الفريدة للأم، لما تحملته من مشقة الحمل والوضع والرضاعة والتربية، وهي تضحيات لا يمكن مكافأتها إلا بالإحسان التام والدعاء الدائم.
أمثلة على أدعية جامعة للأم
هذه مجموعة من الأدعية العامة التي تحمل معاني طيبة، ويمكن الدعاء بها للأم في كل وقت:
- اللَّهُمَّ اجعل أمي سيدة من سيدات أهل الجنة، واجعل الحوض مورداً لها، والرسول شافعاً لها، واجعل ظلك ظلاً لها، والولدان المخلدون خدماً لها.
- يا رب، أبعد عن أمي متاعب الدنيا، ولا تذقها طعم الألم ولا دموع الحزن، وبشّرها بالجنة وهي في أتم صحة وعافية.
- اللَّهُمَّ اجعل كل أيام أمي أعياداً، وسرورها يزداد، وعمرها يطول في طاعتك، واختم بالصالحات أعمالها.
- يا رب، ارزقني بر أمي ورضاها عني، وأعني على خدمتها وطاعتها على الوجه الذي يرضيك عنا.
- اللَّهُمَّ اشرح صدر أمي للإيمان، ويسّر أمرها، وفرّج كربها، واجعل القرآن ربيع قلبها ونور صدرها.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله الناس ويستحبونه لما فيه من معانٍ طيبة، ولم ترد بهذه النصوص المحددة في السنة النبوية الصحيحة، والأكمل والأفضل هو الدعاء بما ثبت في القرآن والسنة، أو الدعاء بجوامع الكلم وبما يفتح الله به على العبد من خير، فالدعاء عبادة والأصل فيها الاتباع.
الدعاء للأم في المناسبات (مثل عيد الأم)
إن بر الأم والدعاء لها ليس محصوراً بيوم معين، بل هو واجب ومستحب في كل وقت وحين، والمناسبات الاجتماعية مثل “عيد الأم” قد تكون تذكيراً للغافل بأهمية أمه وفضلها، فلا حرج من استغلال هذا اليوم لزيادة البر والإحسان والدعاء لها، مع اليقين بأن الإسلام قد كرّم الأم في كل يوم من أيام السنة، وجعل برها عبادة مستمرة.
- اللَّهُمَّ في كل حين، احفظ لي أمي وبارك في عمرها وصحتها، واجعلها في كنفك ورعايتك، وأبعد عنها كل هم وغم.
- يا رب، كما جعلت الجنة تحت قدميها، فاجعل الفردوس الأعلى مسكنها، وارزقها السعادة في الدنيا والآخرة.
- اللَّهُمَّ ارحم أمي إن كانت قد فارقتنا، واجعل قبرها روضة من رياض الجنة، واجمعنا بها في مستقر رحمتك يا أرحم الراحمين.
مكانة الأم في القرآن الكريم
أولى القرآن الكريم الأم عناية خاصة، وذكر مشقتها وتضحياتها في سياق الوصية بالوالدين إحساناً، مما يدل على عظيم حقها، قال الله تعالى في كتابه العزيز:
“وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا…” [الأحقاف: 15]
تُبرز هذه الآية الكريمة حجم المعاناة التي تتكبدها الأم في رحلة الحمل والولادة والرضاعة، وهي تضحيات تستوجب من الأبناء مقابلة هذا الإحسان بالإحسان، والبر، والدعاء، والتقدير الدائم.
المصادر والمراجع
- سورة الإسراء، الآية 24.
- سورة نوح، الآية 28.
- سورة الإسراء، الآية 23.
- سورة الأحقاف، الآية 15.
- صحيح مسلم، حديث رقم 2620، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 5971؛ وصحيح مسلم، حديث رقم 2548، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء للأم؟
أفضل الأدعية هي ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل قول: “رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” [الإسراء: 24]، فهو دعاء قرآني جامع، كما أن الدعاء بالمغفرة والرحمة والصحة والعافية من أفضل ما يُدعى به.
هل يجوز الدعاء للأم بالصيغ العامية؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما في قلبه وباللهجة التي يتقنها، فالله تعالى يعلم ما في الصدور ويستجيب الدعاء بصدق وإخلاص، ولكن، يبقى الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة أكمل وأفضل أجراً.
ما حكم تخصيص يوم عيد الأم للدعاء لها؟
الدعاء للأم وبرها واجب في كل وقت، وتخصيص يوم معين للاحتفال بها ليس من أصل الشريعة الإسلامية، ومع ذلك، لا مانع من استغلال هذا اليوم كفرصة للتذكير بفضلها وزيادة البر بها والدعاء لها، على ألا يُعتقد أن هذا اليوم له فضل خاص في الدين أو أن البر يقتصر عليه.
