الدعاء هو جوهر العبادة ووسيلة المسلم للجوء إلى الله تعالى طلبًا للحماية والتحصين من كل شر وأذى، سواء كان من كيد الأعداء أو حقد الحاسدين، وقد أرشدنا الله عز وجل في كتابه الكريم، ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة، إلى صيغ جامعة ومباركة تكون للمؤمن حصنًا منيعًا وسلاحًا لدفع البلاء، إن الالتجاء إلى الله بالدعاء يعكس يقين العبد بأن النفع والضر بيده سبحانه وحده، وهو القادر على صرف كل سوء.
فيما يلي نستعرض أهم الأدعية والآيات القرآنية الثابتة في المصادر الشرعية، والتي يُستعان بها للتحصين ورد كيد الأعداء، مع بيان مصادرها وسياقها الصحيح.
أدعية مأثورة من السنة النبوية للحماية من الشرور
إن أفضل ما يدعو به المسلم هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أُوتي جوامع الكلم، وفي أدعيته الخير والبركة والكفاية، ومن هذه الأدعية الصحيحة:
- دعاء التحصين العام: وهو من أذكار الصباح والمساء التي تحفظ العبد بإذن الله.
“بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”، (ثلاث مرات)
المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح.
- دعاء الاستعاذة من الشرور: وهو دعاء جامع للحماية من كل شر.
“أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ”.
المصدر: صحيح مسلم.
- دعاء الخوف من قوم أو عدو: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا الدعاء إذا خاف من أذى قوم.
“اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ”.
المصدر: صحيح مسلم.
- دعاء الحماية من العين والحسد والشياطين: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوّذ به الحسن والحسين.
“أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ”.
المصدر: صحيح البخاري.
آيات قرآنية للحفظ والتحصين من شرور الناس
القرآن الكريم هو الشفاء والحماية، وقراءة آياته بنية التحصين واللجوء إلى الله من أعظم أسباب الحفظ، قال تعالى:
“وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” [الإسراء: 82]
، ومن الآيات التي يُقرأ بها للحفظ:
- آية الكرسي: وهي أعظم آية في القرآن، ومن قرأها حين يمسي أُجير من الشياطين حتى يصبح، ومن قرأها حين يصبح أُجير منهم حتى يمسي.
“اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ” [البقرة: 255].
.
- المعوذتان (سورة الفلق وسورة الناس): قال عنهما النبي صلى الله عليه وسلم: “ما سأل سائل بمثلهما، ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما”، (حديث صحيح)، وهما من أعظم ما يُتحصن به من الحسد والسحر وشرور الخلق.
- دعاء سيدنا موسى عليه السلام: وهو دعاء يجمع بين إظهار الفقر إلى الله وطلب الخير منه، وهو مناسب لكل من يشعر بالضعف والحاجة إلى عون الله.
“رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ” [القصص: 24].
.
صيغ شائعة للدعاء لرد كيد الأعداء
يتداول الناس بعض الصيغ للدعاء بنية رد كيد الأعداء والحماية من شرورهم، ومن أمثلة هذه الأدعية العامة:
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ”.
- “حَسْبِيَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”.
- “اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنِي بِسُوءٍ فَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَتَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا لَهُ”.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: بعض هذه الصيغ وردت في أحاديث متفاوتة في درجة الصحة، وبعضها الآخر هو من الأدعية العامة التي لم تثبت بنص خاص عن النبي صلى الله عليه وسلم، الأصل في العبادة هو الاتباع، والالتزام بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة هو الأسلم والأكمل والأكثر بركة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من صيغ لا تخالف الشرع، على ألا ينسبها للسنة أو يعتقد لها فضلاً خاصاً لم يرد به دليل.
شروط استجابة الدعاء وآدابه
لكي يكون الدعاء أرجى للقبول، ينبغي للمسلم أن يلتزم بآداب وشروط الدعاء التي أرشدنا إليها الشرع الحكيم، ومن أهمها:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصًا لوجه الله، لا رياء فيه ولا سمعة.
- حضور القلب واليقين بالإجابة: أن يدعو المسلم وهو موقن بأن الله سيستجيب له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ”، (سنن الترمذي، حديث حسن).
- التوبة والابتعاد عن المعاصي: فإن المعاصي من موانع إجابة الدعاء، لذا يجب على العبد أن يبادر بالتوبة والاستغفار.
- العزم في المسألة وعدم الاستعجال: أن يلح العبد في دعائه وألا يستعجل الإجابة، قال صلى الله عليه وسلم: “لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، فَإِنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ”، (صحيح البخاري).
- الدعاء بالخير: ألا يدعو المسلم بإثم أو قطيعة رحم.
- تحري أوقات الإجابة: مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 255 (آية الكرسي).
- سورة الإسراء، الآية 82.
- سورة القصص، الآية 24.
- صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، (يمكن مراجعة الأحاديث المذكورة على موسوعة الدرر السنية الحديثية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أقوى دعاء للتحصين من الأعداء؟
لا يوجد دعاء واحد “أقوى” بشكل مطلق، ولكن أعظم ما يُحصّن به المسلم نفسه هو كلام الله تعالى، خاصة آية الكرسي والمعوذتين، ومن السنة، الأدعية المأثورة مثل “بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء…” و “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق” تعتبر من الحصون المنيعة بإذن الله عند المداومة عليها.
هل يجوز أن أدعو على من ظلمني؟
الدعاء على الظالم جائز بقدر مظلمته، ولكن العفو والصفح أفضل وأعظم أجرًا، والأولى أن يدعو المسلم لنفسه بالحماية والكفاية، وأن يفوض أمره إلى الله، كأن يقول: “اللهم اكفنيهم بما شئت” أو “حسبي الله ونعم الوكيل”.
ما هي أفضل الأوقات للدعاء لرد كيد الأعداء؟
كل أوقات إجابة الدعاء المذكورة في السنة مناسبة، ومن أفضلها أذكار الصباح والمساء التي هي بمثابة درع يومي للمسلم، وكذلك الدعاء في جوف الليل، حيث ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا فيقول: “هل من داع فأستجيب له”.

