الوالدان نعمةٌ عظيمة وهبها الله تعالى للإنسان، فهما سبب وجوده في هذه الحياة، وبوابة رحمته في الدنيا والآخرة، للأم فضل لا يُحصى، فهي نبع الحنان الذي لا ينضب، تحملت مشقة الحمل والوضع، وسهرت الليالي لرعاية أبنائها، تضحي براحتها وسعادتها من أجلهم، والأب هو السند والحصن المنيع، يبذل جهده لتأمين حياة كريمة لأسرته، ويغرس في نفوس أبنائه القيم والمبادئ ليكونوا أفرادًا صالحين.
وقد قرن الله تعالى عبادته بالإحسان إلى الوالدين تأكيدًا على عظيم حقهما، فقال سبحانه:
“وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” [النساء: 36].
لذا، فإن برّهما والإحسان إليهما من أعظم القربات، والدعاء لهما هو من أجلّ صور هذا البر، سواء في حياتهما أو بعد مماتهما، في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية المأثورة والصحيحة للدعاء للوالدين، مع بيان فضل برّهما في ضوء الكتاب والسنة.
أدعية مأثورة للوالدين من القرآن الكريم والسنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة ومباركة، ومن أعظم ما ورد في الدعاء للوالدين:
- دعاء الرحمة من القرآن الكريم: وهو من أجمع الأدعية وأشهرها، حيث يعلّمنا الله كيف ندعو لهما بالرحمة جزاءً على تربيتهما لنا في الصغر.
“رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” [الإسراء: 24].
.
- دعاء المغفرة من القرآن الكريم: دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهو دعاء شامل يطلب فيه المغفرة لنفسه ولوالديه وللمؤمنين جميعًا.
“رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ” [إبراهيم: 41].
.
- دعاء الشكر على نعمة الوالدين: يعلّمنا القرآن أن نشكر الله على نعمه التي أنعم بها علينا وعلى والدينا، وأن نسأله التوفيق للعمل الصالح.
“رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ” [الأحقاف: 15].
.
- الدعاء للوالدين بعد الوفاة: أعظم ما يصل إلى الوالدين بعد موتهما هو دعاء ولدهما الصالح لهما، وهو عمل لا ينقطع أجره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” (صحيح مسلم، حديث رقم 1631).
.
صيغ وأدعية عامة Prophetic and General Supplications
إلى جانب الأدعية المأثورة، يمكن للمسلم أن يدعو لوالديه بما يفتح الله عليه من صيغ طيبة تحمل معاني الخير والبركة، هذه الأدعية حسنة المعنى، ويجوز الدعاء بها، مع الحرص على البدء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة.
أدعية للأم بالصحة والسعادة
- اللَّهُمَّ احْفَظْ أُمِّي بِحِفْظِكَ، وَأَلْبِسْهَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَأَطِلْ فِي عُمْرِهَا عَلَى طَاعَتِكَ، وَاجْعَلْ قَلْبَهَا مَلِيئًا بِالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ.
- رَبِّي، إِنَّ أُمِّي أَغْلَى مَا أَمْلِكُ، أَسْتَوْدِعُكَ قَلْبَهَا وَصِحَّتَهَا، فَاحْفَظْهَا لِي يَا مَنْ لَا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ، وَأَبْعِدْ عَنْهَا كُلَّ هَمٍّ وَغَمٍّ.
- اللَّهُمَّ يَا كَرِيمُ، احْمِ أُمِّي مِنْ كُلِّ مَرَضٍ وَأَلَمٍ، وَاجْعَلْ أَيَّامَهَا فَرَحًا وَسُرُورًا، وَلَا تُرِنِي فِيهَا بَأْسًا يُبْكِينِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
أدعية للأم المتوفاة بالرحمة والمغفرة
- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمِّي وَارْحَمْهَا، وَعَافِهَا وَاعْفُ عَنْهَا، وَأَكْرِمْ نُزُلَهَا، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهَا، وَاغْسِلْهَا بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهَا مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ.
- يَا رَبِّ، اجْعَلْ قَبْرَ أُمِّي رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَلَا تَجْعَلْهُ حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النَّارِ، اللَّهُمَّ آنِسْ وَحْشَتَهَا، وَارْفَعْ دَرَجَتَهَا، وَاجْعَلْهَا فِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى مِنَ الْجَنَّةِ.
- اللَّهُمَّ اجْزِ أُمِّي عَنِ الْإِحْسَانِ إِحْسَانًا، وَعَنِ الْإِسَاءَةِ عَفْوًا وَغُفْرَانًا، اللَّهُمَّ أَبْدِلْهَا دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهَا، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهَا، وَأَدْخِلْهَا الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا سَابِقَةِ عَذَابٍ.
دعاء مؤثر لبر الوالدين
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِبِرِّ وَالِدَيْنَا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، وَارْزُقْنَا رِضَاهُمَا، وَأَعِنَّا عَلَى طَاعَتِهِمَا وَخِدْمَتِهِمَا، رَبِّي، اجْعَلْنَا قُرَّةَ عَيْنٍ لَهُمَا، وَلَا تَجْعَلْ أَصْوَاتَنَا تَعْلُو فَوْقَ أَصْوَاتِهِمَا، اللَّهُمَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمَا مَرِيضًا فَاشْفِهِ، وَمَنْ كَانَ مَهْمُومًا فَفَرِّجْ هَمَّهُ، وَمَنْ كَانَ مَدْيُونًا فَاقْضِ دَيْنَهُ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.
فضل بر الوالدين في ضوء الكتاب والسنة
بر الوالدين ليس مجرد واجب اجتماعي، بل هو عبادة عظيمة لها فضل كبير وثواب جزيل في الدنيا والآخرة، وتتجلى أهميته في النقاط التالية المستندة إلى الأدلة الشرعية:
- أحب الأعمال إلى الله: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: “أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟” قال:
“الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا”
، قال: “ثُمَّ أَيٌّ؟” قال:
“ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ”
(صحيح البخاري، حديث رقم 527).
- سبب لدخول الجنة: بر الوالدين هو أحد أوسع أبواب الجنة وأوسطها، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوِ احْفَظْهُ”
(سنن الترمذي، حديث حسن صحيح).
- سبب في تفريج الكروب: من أعظم أسباب تفريج الكروب وإجابة الدعاء هو التوسل إلى الله بصالح الأعمال، ومنها بر الوالدين، كما ورد في قصة الثلاثة الذين أُغلق عليهم الغار، فتوسل أحدهم ببره بوالديه، ففرّج الله عنهم، (متفق عليه).
- رضا الله في رضا الوالدين: رضا الله تعالى مقرون برضا الوالدين، وسخطه مقرون بسخطهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ”
(سنن الترمذي، حديث حسن).
- سبب للبركة في العمر والرزق: الإحسان إلى الوالدين يجلب البركة في حياة الإنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”
(مسند أحمد، حديث حسن).
من صور بر الوالدين
بر الوالدين لا يقتصر على الدعاء فقط، بل هو سلوك ومنهج حياة، من أبرز صوره:
- الطاعة في غير معصية: الاستجابة لأوامرهما وطلباتهما ما لم تكن في معصية لله.
- التأدب في الحديث: خفض الصوت عند الحديث معهما، واستخدام أعذب الكلمات، وتجنب كل ما يزعجهما.
- الإنفاق عليهما: تقديم الرعاية المادية لهما عند حاجتهما، خاصة عند الكبر والضعف.
- خدمتهما: السعي في قضاء حوائجهما وتقديم كل ما يحتاجانه من عون ومساندة بصدر رحب.
- الدعاء لهما: الإكثار من الدعاء لهما بالرحمة والمغفرة والصحة والعافية في كل وقت.
- صلة رحمهما: إكرام أصدقائهما وصلة الأرحام التي لا توصل إلا بهما بعد وفاتهما.
المصادر والمراجع
- سورة النساء، الآية 36.
- سورة الإسراء، الآية 24.
- سورة إبراهيم، الآية 41.
- سورة الأحقاف، الآية 15.
- صحيح مسلم، حديث رقم 1631، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 527، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 1899، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 1900، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- مسند أحمد، حديث رقم 15694، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
- ما هو أفضل دعاء للوالدين؟
- أفضل الدعاء هو ما ورد في القرآن الكريم، مثل: “رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” و “رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ”، فهذه أدعية جامعة مباركة من كلام الله تعالى.
- كيف أبر والديّ بعد وفاتهما؟
- يستمر بر الوالدين بعد وفاتهما من خلال: الإكثار من الدعاء والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما، والتصدق عنهما.
- هل يجوز أن أدعو لوالدي بصيغ من عندي؟
- نعم، يجوز الدعاء للوالدين بأي صيغة طيبة تحمل معاني الخير والرحمة، ما لم تشتمل على اعتداء في الدعاء أو مخالفة شرعية، والأفضل دائمًا الجمع بين الأدعية المأثورة والأدعية العامة.
