اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء هو من أعظم العبادات وأهم أسباب حفظ الإنسان وسلامته في دينه ودنياه، فالدعاء حصن المسلم الذي يأوي إليه، وسلاحه الذي يستعين به على كيد الشياطين وشرور النفس ومصائب الدهر، وقد أرشدنا القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة إلى أدعية جامعة مباركة، تحفظ قائلها بإذن الله، وتملأ قلبه طمأنينة وسكينة.
إنّ تحصين النفس بالأذكار والأدعية الشرعية الثابتة، صباحًا ومساءً، هو اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وسبب لنيل الحفظ الإلهي من الأخطار الظاهرة والباطنة، والوقاية من الوقوع في المعاصي، والسلامة من الفتن، وفي هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية الصحيحة للحفظ، ونوضح الحكم الشرعي في بعض الصيغ المنتشرة بين الناس ليكون المسلم على بصيرة من أمره.
صيغ شائعة تُنسب لأنس بن مالك رضي الله عنه
ينتشر بين الناس دعاء وقصة تُنسب للصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتُروى في سياق قصته مع الحجاج بن يوسف الثقفي، نورد هنا النص المتداول للفائدة والمعرفة.
نص الدعاء المنتشر
من الصيغ التي يتداولها البعض الدعاء التالي:
“بِسْمِ اللهِ خَيْرِ الْأَسْمَاءِ، بِسْمِ اللهِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، بِسْمِ اللهِ عَلَى نَفْسِي وَدِينِي، بِسْمِ اللهِ عَلَى أَهْلِي وَمَالِي، بِسْمِ اللهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ رَبِّي، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، أَعُوذُ بِاللهِ مِمَّا أَخَافُ وَأَحْذَرُ، اللهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، عَزَّ جَارُكَ وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَشَيْطَانٍ مَرِيدٍ، وَمِنْ شَرِّ قَضَاءِ السُّوءِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.”
ملخص القصة المتداولة
تُروى قصة مفادها أن الحجاج بن يوسف استدعى أنس بن مالك رضي الله عنه ليعاتبه ويتوعده بالقتل، فرد عليه أنس بثقة ويقين، وأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علّمه دعاءً يحفظه من كل سوء، وأنه قد قاله في صباحه، فما كان من الحجاج إلا أن صرفه بعد أن ذكر أنه رأى أسدين عظيمين يحرسانه، ويُقال إن أنسًا علّم هذا الدعاء لابنه عند وفاته.
الحكم الشرعي: ما مدى صحة دعاء أنس بن مالك وقصته؟
تنبيه هام: إن القصة المذكورة أعلاه والدعاء بهذه الصيغة الكاملة لم يثبتا بسند صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد حكم عليها أهل العلم بالحديث بالضعف الشديد أو بأنها لا أصل لها، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ففيهما الكفاية والبركة والخير العظيم.
وعليه، لا يجوز نسبة هذا الدعاء أو فضائله المذكورة في القصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى الصحابي أنس بن مالك على وجه الجزم، ولكن يمكن الدعاء ببعض جمله التي لها أصل عام في الشرع دون اعتقاد فضل خاص بها.
البديل الصحيح: أدعية الحفظ الثابتة في القرآن والسنة
أغنانا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بأدعية صحيحة عظيمة الأثر، هي الحصن الحصين للمسلم، ومن أهم هذه الأدعية:
1، دعاء الحفظ من كل ضرر
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
“مَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ.”
(المصدر: سنن أبي داود، حديث حسن)
2، دعاء الاستعاذة من شر المخلوقات
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ.”
(المصدر: صحيح مسلم)
3، دعاء التحصين من الشياطين والهوام والعين
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين رضي الله عنهما ويقول:
“أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ.”
(المصدر: صحيح البخاري)
4، آية الكرسي: أعظم آية في القرآن
قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة مكتوبة وعند النوم هي من أعظم أسباب الحفظ، قال تعالى:
“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.”
[البقرة: 255]
وقد ورد في الحديث الصحيح أن من قرأها حين يمسي أُجير من الشياطين حتى يصبح، ومن قرأها حين يصبح أُجير منهم حتى يمسي.
أدعية عامة للحفظ والتحصين
إضافة إلى ما سبق، يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بأدعية عامة لم ترد بلفظها في السنة ولكن معانيها صحيحة، ومنها:
- اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
- تَحَصَّنْتُ بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِلَهِي وَإِلَهِ كُلِّ شَيْءٍ، وَاعْتَصَمْتُ بِرَبِّي وَرَبِّ كُلِّ شَيْءٍ، وَتَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَاسْتَدْفَعْتُ الشَّرَّ بِلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
- اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي.
أسباب استجلاب حفظ الله للعبد
إن حفظ الله تعالى لعبده لا يقتصر على ترديد الأدعية فقط، بل هو ثمرة لإيمان راسخ وعمل صالح، ومن أهم الأسباب التي ينال بها العبد حفظ الله:
- حفظ أوامر الله: وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما:
“احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ.”
(المصدر: سنن الترمذي، حديث صحيح).
- التقوى: فمن اتقى الله في سره وعلانيته، كان في كَنَفِ الله ورعايته، قال تعالى:
“إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ.”
[النحل: 128].
- التقرب إلى الله بالنوافل: فبعد أداء الفرائض، يُعد الإكثار من النوافل سببًا لنيل محبة الله وحفظه الخاص، كما جاء في الحديث القدسي:
“وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ…”
(المصدر: صحيح البخاري).
- التوكل الصادق على الله: من فوّض أمره كله لله، ويقينه أن النفع والضر بيده وحده، كفاه الله كل هم وحفظه من كل سوء.
- المداومة على الأذكار: فالمواظبة على أذكار الصباح والمساء، وأذكار الدخول والخروج، وغيرها من الأذكار الثابتة، تجعل المسلم في ذمة الله وحفظه.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 255 (آية الكرسي).
- سورة النحل، الآية 128.
- صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، (يمكن مراجعة الأحاديث على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
هل دعاء “بسم الله خير الأسماء” المنسوب لأنس بن مالك صحيح؟
لا، هذا الدعاء وقصته مع الحجاج لم يثبتا بسند صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد ضعّفهما أهل العلم بالحديث، والأفضل هو الالتزام بالأدعية الثابتة في القرآن والسنة الصحيحة.
ما هي أفضل الأدعية الصحيحة للحفظ من كل شر؟
من أصح وأعظم أدعية الحفظ: قول “بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ…” ثلاث مرات صباحًا ومساءً، وقول “أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ”، وقراءة آية الكرسي والمعوذتين.
ما هو الوقت الأفضل لقول أذكار الحفظ؟
الوقت المأثور لأذكار الحفظ هو في الصباح بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وفي المساء بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، والمداومة عليها في هذه الأوقات تحقق للمسلم الحفظ والتحصين بإذن الله طوال يومه وليلته.


