تُعَدُّ الصدقة من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، فهي دليل على صدق الإيمان وحُسن التوكل على الله، وقد حثَّ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على الإنفاق في سبيل الله، وبيَّنا ما للمتصدقين من أجر عظيم وفضل كبير في الدنيا والآخرة، حيث تُفرِّج الكروب، وتزيد في الرزق، وتكون سبباً في نيل أعلى الدرجات في الجنة.
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
“مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” [البقرة: 261].

أدعية مأثورة من السنة النبوية للمتصدق
من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لمن فعل خيرًا أو قدَّم صدقة، والدعاء بما ثبت في السنة هو الأفضل والأكثر بركة، إليك بعض الأدعية الصحيحة التي يُشرع الدعاء بها للمتصدقين:
- الدعاء بالبركة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه رجل بصدقة ماله، دعا له، فعن عبد الله بن أبي أوفى قال:
“كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ” (متفق عليه).
ومعنى “صلِّ عليهم” أي: ادعُ لهم بالرحمة والبركة.
- الدعاء بالبركة في الأهل والمال: وهو دعاء عام لكل من صنع إليك معروفًا، ويصلح جدًا للدعاء للمتصدق، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ” (صحيح البخاري).
.

صيغ وأدعية عامة يمكن الدعاء بها للمتصدقين
إلى جانب الأدعية المأثورة، يجوز للمسلم أن يدعو لأخيه فاعل الخير بما يفتح الله عليه من صيغ الدعاء الطيبة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، ما لم تشتمل على اعتداء في الدعاء، وهذه بعض الأمثلة:
- اللَّهُمَّ أَخْلِفْ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ خَيْرًا، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَبْقَى، وَاجْعَلْ مَا قَدَّمَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا لَهُ يَوْمَ يَلْقَاكَ.
- اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ هَذَا العَبْدِ المُحْسِنِ صَدَقَتَهُ، وَضَاعِفْ لَهُ أَجْرَهُ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ، وَاغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَيَسِّرْ أَمْرَهُ، وَاشْرَحْ صَدْرَهُ.
- يَا رَبِّ، كَمَا أَغْنَى عِبَادَكَ المُحْتَاجِينَ مِنْ مَالِهِ، فَأَغْنِهِ بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، وَافْتَحْ لَهُ أَبْوَابَ رِزْقِكَ، وَاجْعَلْهُ مِنْ عِبَادِكَ الشَّاكِرِينَ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذِهِ الصَّدَقَةَ حِجَابًا لَهُ مِنَ النَّارِ، وَظِلاً يَسْتَظِلُّ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَسَبَبًا لِشِفَاءِ مَرِيضِهِ وَصَلاحِ ذُرِّيَّتِهِ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي أدعية عامة مما يجري على ألسنة الناس، ولم تثبت بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، والدعاء بهذه الصيغ العامة جائز ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع.

فضل الصدقة في الإسلام بالأدلة الشرعية
للصدقة فضائل عظيمة وثمرات جليلة في الدنيا والآخرة، وقد وردت في ذلك نصوص شرعية كثيرة، من أبرزها:

- مضاعفة الأجر: يُضاعف الله أجر الصدقة أضعافًا كثيرة، كما قال تعالى:
“إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ” [الحديد: 18].
.
- تكفير الذنوب وإطفاء غضب الرب: الصدقة سبب لمغفرة الخطايا، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ” (رواه الترمذي، حديث حسن صحيح).
.
- وقاية من النار: تحمي الصدقة صاحبها من عذاب النار، ولو كانت شيئًا يسيرًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ” (متفق عليه).
.
- البركة في المال: على عكس ما قد يظنه البعض، فإن الصدقة تزيد المال بركة ولا تنقصه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ” (رواه مسلم).
.
- الظل يوم القيامة: يكون المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة، وهو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، قال صلى الله عليه وسلم:
“…وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ” (متفق عليه).
.
- علاج للأمراض: الصدقة من أسباب الشفاء بإذن الله، وقد ورد في الحديث الذي حسّنه بعض أهل العلم:
“دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ” (حسنه الألباني).
.

دعاء للمتبرعين بالمال وفاعلي الخير
إن من يبادر بالتبرع بماله لسد حاجة محتاج أو دعم مشروع خيري، يستحق الشكر والدعاء له بالخير والبركة، وهذه بعض الأدعية الجامعة التي يمكن الدعاء بها لهؤلاء المحسنين:

- اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي مَالِ مَنْ تَصَدَّقَ بَرَكَةً، وَفِي أَهْلِهِ سَكِينَةً، وَفِي عُمْرِهِ زِيَادَةً فِي الخَيْرِ، اللَّهُمَّ قِهِ شُحَّ نَفْسِهِ، وَاجْعَلْهُ مِنَ المُفْلِحِينَ.
- يَا رَبِّ، ارْزُقْ كُلَّ مُنْفِقٍ فِي سَبِيلِكَ الذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةَ، وَالعَمَلَ المُتَقَبَّلَ، وَالرِّزْقَ الحَلَالَ الطَّيِّبَ، وَثَبِّتْهُ عَلَى الحَقِّ حَتَّى يَلْقَاكَ.
- اللَّهُمَّ مَنْ سَعَى فِي قَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ، فَاقْضِ حَاجَتَهُ، وَفَرِّجْ كُرْبَتَهُ، وَاجْعَلْ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا.

أهمية الصدقة الجارية
الصدقة الجارية هي ما يستمر أجرها وثوابها للإنسان حتى بعد وفاته، وهي من أعظم ما يتركه المسلم وراءه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” (رواه مسلم).
وتشمل الصدقة الجارية بناء المساجد، وحفر الآبار، وطباعة المصاحف والكتب النافعة، وبناء المدارس والمستشفيات، وكل ما فيه نفع مستمر للمسلمين، فمن وُفِّق لعمل صدقة جارية، فقد فاز بأجر عظيم لا ينقطع.

ندعو الله أن يتقبل من كل متصدق ومتصدقة، وأن يبارك لهم في أموالهم وأهليهم، وأن يجعل ما قدموه في موازين حسناتهم يوم القيامة.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 261.
- سورة الحديد، الآية 18.
- حديث “اللهم صل عليهم”: متفق عليه (صحيح البخاري، حديث رقم 1498، وصحيح مسلم، حديث رقم 1078)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “بارك الله لك في أهلك ومالك”: صحيح البخاري، حديث رقم 3781، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “والصدقة تطفئ الخطيئة”: سنن الترمذي، حديث رقم 614، وقال عنه: حديث حسن صحيح، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اتقوا النار ولو بشق تمرة”: متفق عليه (صحيح البخاري، حديث رقم 1417، وصحيح مسلم، حديث رقم 1016)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “ما نقصت صدقة من مال”: صحيح مسلم، حديث رقم 2588، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث السبعة الذين يظلهم الله: متفق عليه (صحيح البخاري، حديث رقم 660، وصحيح مسلم، حديث رقم 1031)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “داووا مرضاكم بالصدقة”: حسنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (744)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث الصدقة الجارية: صحيح مسلم، حديث رقم 1631، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء يقال للمتصدق؟
أفضل الدعاء هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل قوله: “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ” (أي: اللهم ارحمهم وبارك لهم)، وقوله: “بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ”، وهذه الأدعية تجمع الخير والبركة في أهم ما يملكه الإنسان.
هل يجوز الدعاء للمتصدق بصيغ من عندي؟
نعم، يجوز الدعاء للمتصدق بأي دعاء طيب لا يخالف الشريعة الإسلامية، كأن تدعو له بالقبول، والبركة في الرزق، وصلاح الذرية، والمغفرة، فالدعاء للمحسن من شكر المعروف.
هل الصدقة تنقص المال فعلاً؟
لا، الصدقة لا تنقص المال، أخبرنا النبي الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: “مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ”، بل إن الله تعالى يبارك في المال المتبقي ويخلف على المنفق خيرًا، إما بزيادة المال نفسه أو بالبركة فيه وصرفه في الخير ووقايته من الآفات.