يُستحب للمسلم اغتنام يوم عرفة بالإكثار من الأعمال الصالحة، وعلى رأسها الدعاء، فهو من أفضل الأيام التي يُرجى فيها إجابة الدعوات، حيث يباهي الله تعالى بأهل عرفة أهل السماء ويُنزل رحمته ومغفرته على عباده، وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على الإكثار من الدعاء في هذا اليوم المبارك، خاصة للصائمين من غير الحجاج، لما في ذلك من فضل عظيم وأجر جزيل.
خير الدعاء يوم عرفة: الدعاء المأثور عن النبي ﷺ
إن أفضل ما يدعو به المسلم في هذا اليوم هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث بيّن أن خير الدعاء هو دعاء يوم عرفة، هذا الدعاء يجمع بين التوحيد والحمد والثناء على الله، وهو أساس كل عبادة.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.
المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن.
يُستحب الإكثار من هذا الذكر والدعاء طوال يوم عرفة، من فجره إلى غروب شمسه، لما فيه من فضل عظيم.
أدعية من القرآن الكريم والسنة الصحيحة ليوم عرفة
إلى جانب الدعاء الأعظم ليوم عرفة، يمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ويُستحسن اختيار الأدعية الجامعة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ومنها:
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا”.
المصدر: سنن ابن ماجه، حديث صحيح.
- سيد الاستغفار: وهو من أعظم صيغ طلب المغفرة، خاصة في يوم المغفرة الأكبر.
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ”.
المصدر: صحيح البخاري.
- دعاء الكرب وتفريج الهم: وهو دعاء نبي الله يونس عليه السلام.
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”.
المصدر: سورة الأنبياء، الآية 87.
- دعاء قضاء الدين والغنى من الفقر:
“اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ”.
المصدر: صحيح مسلم.
- دعاء الملائكة للمؤمنين: وهو دعاء عظيم من القرآن الكريم.
“رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”.
المصدر: سورة غافر، الآيات 7-8.
أدعية عامة جامعة لخيري الدنيا والآخرة
يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية التي فيها صلاح دينه ودنياه، وإن لم تكن واردة بنصها في الكتاب أو السنة، ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، ومن أمثلة هذه الأدعية الجامعة التي يمكن الاستئناس بها:
- اللَّهُمَّ اجْبُرْ كَسْرَ قَلْبِي جَبْرًا يَلِيقُ بِعَظَمَتِكَ، اللَّهُمَّ عِوَضْنِي عَنْ كُلِّ أَلَمٍ أَصَابَنِي، وَاجْعَلْ أُمُورِي كُلَّهَا لِلْخَيْرَةِ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا قَسَمْتَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.
- اللَّهُمَّ أَعِنِّي وَلا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلا تَمْكُرْ بِي، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الْهُدَى لِي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، إِلَيْكَ مُخْبِتًا أَوَّاهًا مُنِيبًا.
- يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، أَعْطِنِي مِنْ رَحْمَتِكَ مَا تُغْنِينِي بِهِ عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ نَعِيمًا لا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
تنبيه هام حول الأدعية المنتشرة
تنبيه هام: قد تنتشر بعض الصيغ المخصصة أو الأدعية المبتكرة التي تُنسب لفضل معين في يوم عرفة دون دليل شرعي، الأصل في العبادة، ومنها الدعاء، هو الاتباع والالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، إن الأدعية المأثورة عن النبي ﷺ هي أكمل الأدعية وأجمعها للخير، وفيها الكفاية والبركة، لذا، يُنصح بالحرص عليها وتجنب ما لم يثبت بدليل صحيح.
فضل الدعاء وأهميته في يوم عرفة
يوم عرفة هو يوم تجتمع فيه فضائل عظيمة تجعل الدعاء فيه من أرجى الأعمال قبولاً عند الله تعالى، ومن أبرز هذه الفضائل:
- أفضل الأيام للدعاء: نص النبي ﷺ على أن “خير الدعاء دعاء يوم عرفة”، مما يجعله موسماً استثنائياً لإجابة الدعوات.
- يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار: ورد في الحديث الصحيح أن الله يعتق في هذا اليوم عباداً من النار، وأن صيامه لغير الحاج يكفر سنتين، والدعاء بالمغفرة فيه أرجى للقبول.
- مباهاة الله بأهل الموقف: يباهي الله عز وجل الملائكة بالحجاج الواقفين بعرفة، وهذه المباهاة والرحمة تشمل المسلمين في كل مكان الداعين والمتضرعين إليه.
- اجتماع شرف الزمان والمكان (للحاج): يجتمع في هذا اليوم فضل الزمان (يوم عرفة) وفضل المكان (صعيد عرفات)، مما يضاعف من بركة الدعاء.
- وقت إجابة للصائم: يتزامن وقت الإفطار للصائمين في يوم عرفة مع ساعة إجابة، فقد قال النبي ﷺ: (إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ)، (رواه ابن ماجه).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل وقت للدعاء في يوم عرفة؟
يبدأ فضل الدعاء في يوم عرفة من فجر اليوم التاسع من ذي الحجة ويمتد إلى غروب الشمس، وأرجى الأوقات هو آخر النهار، من بعد صلاة العصر إلى المغرب، حيث يزداد تنزل الرحمات الإلهية.
هل يجب أن أكون صائماً ليُستجاب دعائي يوم عرفة؟
صيام يوم عرفة لغير الحاج سنة مؤكدة وفضله عظيم، وهو من أسباب إجابة الدعاء، لكن فضل الدعاء في يوم عرفة عام لجميع المسلمين، سواء كانوا صائمين أم لا، فالباب مفتوح للجميع للإكثار من الدعاء والذكر في هذا اليوم المبارك.
هل هناك صيغة دعاء محددة يجب الالتزام بها؟
أفضل صيغة هي “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير” كما ورد في الحديث، ومع ذلك، يمكن للمسلم أن يدعو بما يشاء من الأدعية الصحيحة والمأثورة، أو يدعو بحاجاته الخاصة بأسلوبه ولهجته، فالله سبحانه وتعالى عليم بما في الصدور.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة غافر، الآيات 7-8.
- صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب أفضل الاستغفار، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب في دعاء يوم عرفة، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، كتاب الدعاء، باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).

