تُعد عبارة “بَرْدًا وَسَلَامًا” من العبارات القرآنية العميقة التي تحمل في طياتها معاني السكينة والطمأنينة، وتُستخدم للدعاء والمواساة في أوقات الشدة والضيق، لفهم قيمتها وكيفية استخدامها والرد عليها، من الضروري العودة إلى أصلها القرآني وسياقها العظيم.
فَهذه العبارة ليست مجرد كلمات، بل هي دعاء صادق ينبع من القلب، يتمنى الخير والسلامة لمن تُقال له، مما يجعلها ذات أثر بليغ في تهدئة النفس وإضفاء الراحة عليها، ويُستحب استخدامها مع من نُحب، خاصة في الأوقات التي يواجهون فيها تحديات تتطلب دعمًا معنويًا.

وعندما تُوجَّه هذه العبارة لك، فإن الرد عليها بكلمات تُظهر الامتنان والتقدير يعكس أدبًا رفيعًا ومودة متبادلة، يعتمد اختيار الرد المناسب على طبيعة الموقف والعلاقة مع الشخص، ولكنه في جميع الأحوال يُظهر احترامًا وتقديرًا لهذا الدعاء الطيب.

أصل عبارة “بردًا وسلامًا” في القرآن الكريم
وردت عبارة “بَرْدًا وَسَلَامًا” في القرآن الكريم في سياق قصة نبي الله إبراهيم -عليه السلام-، في مشهدٍ يُظهر عظمة التوكل على الله وقدرته المطلقة في مواجهة أعتى التحديات.
واجه إبراهيم -عليه السلام- قومه الذين كانوا يعبدون الأصنام، ودعاهم بالحكمة والموعظة الحسنة إلى عبادة الله الواحد، لكنهم أصروا على ضلالهم وتقليد آبائهم.
“قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ” [الشعراء: 72-74].
ولما يئس من استجابتهم، قام -عليه السلام- بتحطيم أصنامهم كلها إلا كبيرها، ليقيم عليهم الحجة ويُظهر لهم عجز هذه المعبودات، وعندما واجهوه، أشار إلى الصنم الأكبر متحديًا إياهم أن يسألوه.
“قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ” [الأنبياء: 63].
وبدلًا من أن يعتبروا، أخذتهم العزة بالإثم وقرروا الانتقام، فأوقدوا نارًا عظيمة وألقوه فيها، في ذلك الموقف العصيب، لم يكن من إبراهيم -عليه السلام- إلا أن فوّض أمره إلى الله بقلبٍ ثابت ويقينٍ راسخ، قائلًا كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما:
“حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ، قالَهَا إبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ…” (صحيح البخاري).
وهنا تجلّت قدرة الله ومعجزته، حيث صدر الأمر الإلهي المباشر الذي حوّل طبيعة النار من الإحراق والأذى إلى البرودة والسلام والأمان.
“قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ” [الأنبياء: 69].
فنجا نبي الله بقدرة خالقه، لتكون هذه القصة درسًا خالدًا في أن الله هو الناصر والمعين لمن يتوكل عليه، وأن قدرته فوق كل قدرة.

أمثلة على الردود المناسبة على “بردًا وسلامًا”
إذا قال لك أحدهم “بردًا وسلامًا”، فإليك أمثلة على ردود طيبة تُظهر تقديرك وامتنانك لهذا الدعاء المبارك:
- جزاكَ الله خيرًا، ورفع قدرك.
- آمين، ولك بالمثل، حفظك الله ورعاك.
- الله يبارك فيك ويحفظك من كل سوء.
- سلمك الله وعافاك من كل مكروه.
- أسأل الله أن يرزقك الطمأنينة والسكينة.
- شكرًا لك، كلماتك طيبة ومواساتك غالية.
- الحمد لله على كل حال، ونسأله اللطف دائمًا.
- رفع الله شأنك وأراح بالك.
- الله يرزقك من واسع فضله ويجعل لك من كل ضيق مخرجًا.
- دمت لي سندًا وعونًا.

المواضع التي يُستحسن فيها استخدام “بردًا وسلامًا”
تُستخدم هذه العبارة القرآنية للمواساة والدعاء في المواقف التي تتطلب الصبر والسكينة، استلهامًا من معناها الأصلي في تحويل الشدة إلى أمان، ومن هذه المواضع:
- عند مواساة المكروب: تُقال لمن يمر بضائقة أو محنة، للدعاء له بأن يجعل الله كربه بردًا وسلامًا عليه.
- عند التعرض للظلم: يمكن للمرء أن يدعو لنفسه بها، سائلًا الله أن يجعل أثر الظلم عليه خفيفًا وأن يبدله أمنًا وطمأنينة.
- عند مواجهة الخوف أو القلق: تُستخدم لطلب السكينة من الله، وأن يُنزل على القلب أمنًا يذهب عنه الخوف.
- للدعاء للموتى: يُدعى للميت بأن يجعل الله قبره بردًا وسلامًا، أي مكان راحة وأمان لا عذاب فيه.

أدعية شائعة مستلهمة من قوله تعالى “بردًا وسلامًا”
يتداول الناس بعض الصيغ الدعائية المستوحاة من هذه الآية الكريمة، والتي يمكن الدعاء بها على وجه العموم لطلب الرحمة والسكينة، إليك بعض الأمثلة:
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ قُبُورَ مَوْتَانَا وَمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَاغْمُرْهُمْ بِرَحْمَتِكَ وَمَغْفِرَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ..
- اللَّهُمَّ يَا مَنْ جَعَلْتَ النَّارَ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، اجْعَلْ كُلَّ هَمٍّ وَغَمٍّ فِي قَلْبِي بَرْدًا وَسَلَامًا..
- اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمُدَبِّرُ، تَدْبِيرُكَ يَغْنِي عَنِ الْحِيَلِ، وَكَرَمُكَ هُوَ مُنْتَهَى الْأَمَلِ، اجْعَلْ مَخَاوِفِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَيَّ كَمَا جَعَلْتَ النَّارَ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ..
- اللَّهُمَّ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى أَهْلِ غَزَّةَ، وَأَمِدَّهُمْ بِالْقُوَّةِ وَالثَّبَاتِ، وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ..
تنبيه هام وحكم الدعاء بهذه الصيغ:
هذه الصيغ هي أدعية عامة مما يتداوله بعض الناس، وهي مستلهمة من معنى الآية الكريمة، ولم تثبت كأدعية مخصصة بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه.
الدعاء عبادة، والأصل فيه الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية ومباركة، ومع ذلك، يجوز الدعاء بهذه الصيغ وأمثالها ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، على ألا يُعتقد أنها سنة ثابتة أو أن لها فضلًا خاصًا مرتبطًا بصيغتها.









المصادر والمراجع
- سورة الشعراء، الآيات 72-74.
- سورة الأنبياء، الآية 63.
- سورة الأنبياء، الآية 69.
- صحيح البخاري، حديث رقم 4563، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة
ما هو الرد المناسب على عبارة “بردًا وسلامًا”؟
يمكن الرد بعبارات الامتنان والدعاء بالمثل، مثل: “جزاك الله خيرًا”، “آمين، ولك بالمثل”، “حفظك الله وعافاك”، أو “سلمك الله من كل سوء”، الهدف هو إظهار التقدير للدعاء الطيب.
هل يجوز الدعاء بعبارة “اللهم اجعلها بردًا وسلامًا”؟
نعم، يجوز الدعاء بهذه الصيغة وأمثالها لأن معناها صحيح ولا يخالف الشرع، يُقصد بها طلب تحويل المصيبة أو الشدة إلى أمان وسكينة، اقتداءً بما فعله الله مع نبيه إبراهيم، لكن يجب ألا يُعتقد أنها من الأدعية النبوية المأثورة بلفظها.
ما هو المعنى الدقيق لقوله تعالى “بردًا وسلامًا”؟
المعنى أن الله أمر النار بأن تفقد خاصية الإحراق وتكون باردة، ولكن بردها لا يؤذي، بل هو برد مصحوب بالسلامة والأمان، فلو قال “بردًا” فقط، لربما كان بردًا مؤذيًا، لكن كلمة “سلامًا” نفت أي أذى وجعلتها أمانًا تامًا على إبراهيم عليه السلام.