إن مساندة أهل الفقيد والوقوف بجانبهم في الأوقات العصيبة من أعظم القربات، فالمواساة الصادقة تخفف من ألم المصاب وتُذكِّر بقضاء الله وقدره، وتقديم العزاء له آداب وأصول شرعية، ومن المهم اختيار الكلمات والأدعية التي توافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ليكون فيها الأجر والبركة للمعزِّي والمُعزَّى.
صيغ التعزية والمواساة الشرعية
إن تعزية أهل الميت ومواساتهم سنة نبوية، وقد وردت بعض الصيغ الثابتة التي يُستحب استخدامها، لما فيها من تسليم بقضاء الله ودعاء بالخير للجميع، ومن أهم هذه الصيغ:
- “إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”: وهي أصل المواساة، وقولها عند المصيبة سبب للرحمة والهداية من الله تعالى، قال عز وجل:
“الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” [البقرة: 156-157].
.
- “لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ”: وهي الصيغة التي عزَّى بها النبي صلى الله عليه وسلم إحدى بناته، (متفق عليه).
- “عَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَكُمْ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكُمْ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكُمْ”: وهي صيغة حسنة درج عليها السلف والعلماء، لما فيها من دعاء شامل بالأجر والصبر والمغفرة.
أدعية مأثورة للمتوفى من السنة النبوية
الدعاء للميت من أعظم الهدايا التي تصل إليه في قبره، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أدعية جامعة ومباركة نقولها للمتوفى، ومن أصحها وأشهرها ما ورد في صلاة الجنازة:
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، أَوْ مِن عَذَابِ النَّارِ.”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 963.
وهذا الدعاء من أجمع الأدعية للميت، حيث يشتمل على طلب المغفرة والرحمة، وتطهيره من الذنوب، وإكرامه في قبره، وإبداله خيراً مما ترك في الدنيا، وإدخاله الجنة والنجاة من النار.
أدعية عامة وصيغ شائعة للمتوفى
إلى جانب الأدعية الثابتة في السنة، يتداول الناس صيغًا أخرى للدعاء للميت، والدعاء بابه واسع، فيجوز الدعاء للمتوفى بأي صيغة تحمل معاني الخير والرحمة ما لم تخالف الشرع، ومن الأمثلة على ذلك:
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ قَبْرَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَلَا تَجْعَلْهُ حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النَّارِ.
- اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ عِنْدَ السُّؤَالِ، وَاجْعَلْهُ مِنْ الآمِنِينَ يَوْمَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ.
- اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَى أَهْلِهِ الصَّبْرَ وَالسُّلْوَانَ، وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَأَجِرْهُمْ فِي مُصِيبَتِهِمْ.
- اللَّهُمَّ يَمِّنْ كِتَابَهُ، وَيَسِّرْ حِسَابَهُ، وَثَقِّلْ بِالْحَسَنَاتِ مِيزَانَهُ.
- يَا رَبِّ، إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ.
- اللَّهُمَّ اجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ.
تنبيه هام: هذه الأدعية هي من الصيغ العامة التي لم ترد بنصها في السنة النبوية، ولكن معانيها صحيحة ويجوز الدعاء بها، والأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي أجمع للخير وأعظم في البركة.
كيفية الرد على عبارات التعزية
عندما يقدم لك شخص واجب العزاء بعبارات مثل “عظم الله أجركم” أو “البقاء لله”، فليس هناك رد شرعي محدد وثابت، ولكن يُستحب الرد بما هو طيب من القول، كالدعاء له وشكره على مواساته، ومن أفضل الردود:
- جزاكم الله خيرًا.
- شكر الله سعيكم.
- تقبل الله دعاءكم.
- اللهم آمين، رحم الله موتانا وموتاكم.
- لا أراكم الله مكروهًا في عزيز.
أهمية الدعاء للميت
يُعد الدعاء للميت من أفضل الأعمال التي تنفعه بعد موته، حيث ينقطع عمل الإنسان إلا من ثلاث، كما أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:
“إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له.”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 1631.
لذا، فإن الإكثار من الدعاء لمن فقدناهم هو من أعظم صور البر والوفاء لهم.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآيات 156-157.
- حديث تعزية النبي لابنته: متفق عليه، (يمكن مراجعته في صحيح البخاري، حديث رقم 1284، وصحيح مسلم، حديث رقم 923).
- حديث دعاء صلاة الجنازة: صحيح مسلم، حديث رقم 963، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “إذا مات الإنسان…”: صحيح مسلم، حديث رقم 1631، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول التعزية والدعاء للميت
ما هو أفضل وقت للدعاء للميت؟
الدعاء للميت مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة.
هل يجوز الدعاء للميت بصيغ عامية أو من عندي؟
نعم، يجوز الدعاء للميت بأي صيغة طيبة من عندك أو باللغة العامية، ما دامت لا تحتوي على محظور شرعي، والأفضل دائمًا الجمع بين الأدعية المأثورة من القرآن والسنة والأدعية العامة الصادرة من القلب.
ما حكم تخصيص أيام معينة للعزاء؟
التعزية مشروعة منذ وقت الوفاة ولمدة ثلاثة أيام غالبًا، ولكن لا يجوز تخصيص طقوس معينة أو إقامة مآتم واجتماعات متكررة (مثل الأربعين والسنوية) لأن ذلك من البدع المحدثة التي لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.


