يمر المسلم في حياته بلحظات من الشدة والضيق، وفي أوقات أخرى يواجه قرارات مصيرية تحتاج إلى عون وتوفيق، في كل هذه الأحوال، ليس للمؤمن ملجأ أعظم من التوجه إلى الله تعالى، وتفويض الأمر كله إليه بيقين تام ورجاء صادق، إن تفويض الأمر لله هو ذروة التوكل، وسبب الطمأنينة، ومفتاح الفرج، وهو من أسمى العبادات القلبية التي تعكس ثقة العبد المطلقة بحكمة ربه وقدرته ورحمته.
الأصل القرآني: “وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ”
إن أعظم ما يستدل به على فضل هذه الكلمة ومكانتها هو ورودها في القرآن الكريم على لسان رجل مؤمن من آل فرعون، كان يكتم إيمانه ثم صدع بالحق ناصحًا قومه، فلما خاف من مكرهم وبطشهم، أعلن توكله الكامل على الله قائلًا:
“فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ” [غافر: 44]
فكانت النتيجة الفورية لهذا التفويض الصادق هي النجاة والحفظ من الله تعالى، كما ذكرت الآية التي تليها مباشرة: “فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا”، وهذا يوضح أن تفويض الأمر إلى الله بصدق هو سبب مباشر للحماية والكفاية من كل سوء ومكر.
أدعية نبوية صحيحة في التوكل وتفريج الكروب
السنة النبوية المطهرة مليئة بالأدعية الصحيحة التي تحمل معنى التوكل على الله وتفويض الأمر إليه، وهي الكافية الشافية للمسلم، ومن هذه الأدعية المباركة:
- دعاء الخروج من المنزل: وهو دعاء يومي يجدد به المسلم عهده بالتوكل على الله في كل شؤونه.
“بِسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ”
المصدر: سنن أبي داود وسنن الترمذي، وقال الترمذي: “حديث حسن صحيح”.
- دعاء الكرب والشدة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله عند الكرب.
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”
المصدر: صحيح البخاري وصحيح مسلم.
- دعاء من خاف شيئًا أو أهمه أمر: وهو من الأدعية الجامعة التي يفوض فيها العبد أمره كله إلى رحمة الله.
“اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ”
المصدر: سنن أبي داود، وهو “حديث حسن”.
صيغ وأدعية شائعة في معنى تفويض الأمر إلى الله
يتداول الناس بعض الصيغ الدعائية التي تحمل معنى تفويض الأمر إلى الله، وهي تعبر عن حاجة العبد لربه وتوكله عليه، ومن أمثلة هذه الصيغ المنتشرة:
- اللَّهُمَّ إِنِّي فَوَّضْتُ أَمْرِي كُلَّهُ إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً، فَأَنْتَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، يَا رَبِّ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي، وَارْزُقْنِي الطُّمَأْنِينَةَ الَّتِي تَسْكُنُ بِهَا نَفْسِي، وَاشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي.
- رَبِّ إِنِّي فَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، فَلَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ اكْفِنِي مَا أَهَمَّنِي، وَارْزُقْنِي مِنْ حَيْثُ لَا أَحْتَسِبُ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا.
- يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، فَوَّضْتُ إِلَيْكَ أَمْرِي كُلَّهُ، فَاكْتُبْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ، وَلَا تَجْعَلْنِي مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِي.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، فَكُنْ لِي عَوْنًا وَنَصِيرًا، وَاجْبُرْ قَلْبِي، وَيَسِّرْ لِي كُلَّ عَسِيرٍ.
حكم هذه الصيغ ومدى صحتها
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس للتعبير عن معنى التوكل، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وفيها الخير كله، ويجوز الدعاء بأدعية تحمل معاني طيبة ما لم تخالف الشرع، ولكن الأفضل والأكمل هو لزوم المأثور.
أسباب شرعية يُستجلب بها الفرج
إلى جانب الدعاء، هناك أعمال صالحة عظيمة تُعد من أقوى أسباب تفريج الكروب وتيسير الأمور بإذن الله تعالى:
- التقوى والعمل الصالح: إن لزوم تقوى الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه هو سبب كل خير، قال تعالى:
“وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” [الطلاق: 2-3]
.
- الصدقة: للصدقة أثر عجيب في دفع البلاء وتفريج الكربات، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوءِ، والصدقةُ خفياً تطفئُ غضبَ الربِّ”
(حسّنه الألباني في صحيح الجامع).
- كثرة ذكر الله: ذكر الله يورث القلب طمأنينة وسكينة، وهو من أعظم أسباب انشراح الصدر، قال تعالى:
“الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” [الرعد: 28]
.
- بر الوالدين: هو باب عظيم من أبواب التوفيق والفرج، وقصص أثر بر الوالدين في كشف الكروب مشهورة وثابتة.
اقتباسات إيمانية في التوكل على الله
يمكن للمسلم أن يعبر عن يقينه وتوكله على الله بكلمات طيبة تذكره وتذكر غيره بهذه العبادة العظيمة، ومن ذلك:
- “فوضت أمري لمن لا ينسى من ذكره، ولا يخيب من رجاه، ولا يرد من سأله.”.
- “عندما تفوض أمرك إلى الله، ثق أنه لن يضيعك أبدًا، فتدبيره خير من تدبيرك، وعلمه بحالك أوسع من علمك.”.
- “راحة القلب في كلمتين: استودعتك يا الله، وفوضت أمري إليك.”.
- “كلما زاد يقينك بأن الأمر كله بيد الله، كلما شعرت بالسكينة تغمر قلبك مهما كانت الظروف.”.
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 44.
- سورة الطلاق، الآيتان 2-3.
- سورة الرعد، الآية 28.
- صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود، (يمكن مراجعة الأحاديث على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول تفويض الأمر إلى الله
ما هو فضل قول “وأفوض أمري إلى الله”؟
فضلها عظيم، فهي كلمة التوكل واليقين، كما ورد في القرآن الكريم، كانت سببًا في نجاة مؤمن آل فرعون من مكر قومه وكيدهم، حيث قال الله تعالى بعدها: “فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا”، فمن قالها بصدق ويقين، كفاه الله ما أهمه وحفظه بحفظه.
هل الأدعية المنتشرة التي لم ترد في السنة صحيحة؟
الأصل في الأدعية أن تكون بما ورد في القرآن والسنة الصحيحة، فهذا هو الأكمل والأفضل، أما الأدعية التي لم ترد بنص ثابت، فيجوز الدعاء بها إذا كانت معانيها صحيحة ولا تخالف الشريعة الإسلامية، ومع ذلك، يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة هو الأسلم والأعظم أجرًا وبركة.
ما هو أفضل وقت للدعاء؟
للدعاء أوقات وأحوال يُرجى فيها الإجابة أكثر من غيرها، ومنها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر، ومع ذلك، فباب الدعاء مفتوح للمسلم في كل وقت وحين.
