في أوقات الشدائد وانتشار الأوبئة، يتوجه قلب المؤمن إلى خالقه، ملتمسًا الحماية والشفاء، إن اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء هو من أعظم العبادات التي تعكس يقين العبد بقدرة ربه وحكمته، خاصة في مواجهة تحديات كبرى كالأمراض التي هددت البشرية، ومنها جائحة فيروس كورونا التي أظهرت ضعف الإنسان وحاجته إلى عون الله.
إن الإيمان بقدرة الله الشافي، مع الأخذ بالأسباب الوقائية التي حث عليها الشرع والعلم، هو المنهج الإسلامي المتكامل في التعامل مع البلاء، فالدعاء سلاح المؤمن، والحصن الذي يلجأ إليه طالبًا من الله -عز وجل- كشف الضر، ورفع البلاء، وإنزال العافية على المرضى، وحفظ الأصحاء.
أدعية صحيحة ثابتة للوقاية والشفاء من الأمراض
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي دعا بها خير الخلق صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الأدعية:
1، دعاء التحصين من الأمراض السيئة
كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للتعوذ من الأمراض الخطيرة والمعدية، وهو من أهم أدعية الوقاية.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ.
المصدر: رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني، وهو دعاء جامع للتحصن من الأمراض المنفّرة والشديدة.
2، دعاء الحفظ من كل ضرر
هذا الذكر يُقال صباحًا ومساءً ثلاث مرات، وهو من أسباب الحفظ بإذن الله من كل سوء مفاجئ.
بِسْمِ اللهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ.
المصدر: رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح، يُرجى لمن قاله بيقين أن يحفظه الله من كل مكروه.
3، دعاء الشفاء العام (الرقية الشرعية)
كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي بهذا الدعاء أهله ومن اشتكى من الصحابة، واضعًا يده اليمنى على موضع الألم.
اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا.
المصدر: متفق عليه (رواه البخاري ومسلم)، وهو من أجمع الأدعية لطلب الشفاء الكامل الذي لا يترك أثرًا للمرض.
4، دعاء الكرب والشدة
هذا الدعاء يُعرف بدعاء الكرب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به عند الشدائد.
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ.
المصدر: متفق عليه (رواه البخاري ومسلم)، وهو ذكر عظيم لتفريج الهموم والكروب، ومنها كرب المرض.
صيغ شائعة وأدعية عامة لرفع البلاء
إلى جانب الأدعية المأثورة، يتضرع المسلمون إلى الله بصيغ دعاء عامة، تعبر عن حاجتهم وافتقارهم إلى رحمة الله، هذه الصيغ، وإن لم ترد بنصها في السنة، إلا أن معناها صحيح ويمكن الدعاء بها، ومن الأمثلة على ذلك:
- يَا حَافِظُ يَا مُجِيبُ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَنَا وَتُزِيلَ عَنَّا الوَبَاءَ، اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا وَعَنْ أُمَّتِنَا الإِسْلَامِيَّةِ كُلَّ أَنْوَاعِ البَلَاءِ، وَاشْفِ كُلَّ مَرِيضٍ يُعَانِي، وَأَزِلْ عَنْهُمْ كُلَّ مَا يُثْقِلُ كَاهِلَهُمْ.
 - اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا الوَبَاءُ بِذُنُوبِنَا، فَإِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ، يَا غَافِرَ الذَّنْبِ، وَيَا كَاشِفَ الضُّرِّ، طَهِّرْ أَجْسَادَنَا مِنَ الأَسْقَامِ، وَأَرْوَاحَنَا مِنَ الذُّنُوبِ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا الصِّحَّةَ وَالشِّفَاءَ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ.
 - يَا اللهُ، يَا مَنْ بِيَدِهِ الأَمْرُ كُلُّهُ، يَا مُسَهِّلَ العَسِيرِ وَرَافِعَ الضُّرِّ، لَا تُخَيِّبْ رَجَاءَنَا وَلَا تَرُدَّ دُعَاءَنَا، اشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِينَ.
 - تَحَصَّنَّا بِذِي العِزَّةِ وَالجَبَرُوتِ، وَاعْتَصَمْنَا بِرَبِّ المَلَكُوتِ، وَتَوَكَّلْنَا عَلَى الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا هَذَا الوَبَاءَ، وَقِنَا شَرَّ الدَّاءِ، وَنَجِّنَا مِنَ الطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ وَالبَلَاءِ، بِلُطْفِكَ يَا لَطِيفُ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
 
تنبيه هام وحكم الدعاء بهذه الصيغ
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، وهي أدعية عامة بمعناها، لم تثبت هذه الصيغ بنصها المحدد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وجامعة لخيري الدنيا والآخرة.
الحكم الشرعي: يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من الأدعية التي ليس فيها اعتداء أو مخالفة شرعية، فباب الدعاء واسع، ومع ذلك، يبقى الفضل والكمال في لزوم الأدعية النبوية المأثورة، فهي الأسلم والأعظم أجرًا والأرجى للقبول.
فضل الدعاء وأثره في رفع البلاء
يُعتبر الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، وتتجلى فيه حقيقة العبودية والانكسار لله، وللدعاء فضل عظيم وأثر كبير، ومن ذلك:
- أنه طاعة لله وامتثال لأمره: حيث أمر الله عباده بالدعاء ووعدهم بالإجابة.
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60].
.
 - أنه سبب لرفع البلاء: فالدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، وقد يرفع الله البلاء النازل أو يدفعه قبل نزوله بسبب دعاء العبد الصادق.
 - أنه عبادة في ذاته: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ”
(رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).
 - دليل على التوكل على الله: فالدعاء يعبر عن يقين العبد بأن النفع والضر بيد الله وحده، مما يعزز توكله عليه.
 - يجلب الطمأنينة ويشرح الصدر: مناجاة الله تعالى تخفف عن النفس همومها وآلامها، وتجعل المؤمن يشعر بالسكينة والراحة بقربه من خالقه.
 
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 60.
 - حديث “اللهم إني أعوذ بك من البرص…”، رواه أبو داود (1554) والنسائي (5493)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث “بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء…”، رواه أبو داود (5088) والترمذي (3388)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث “اللهم رب الناس، أذهب الباس…”، رواه البخاري (5743) ومسلم (2191)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث “لا إله إلا الله العظيم الحليم…”، رواه البخاري (6346) ومسلم (2730)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث “الدعاء هو العبادة”، رواه الترمذي (2969)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 
أسئلة شائعة حول أدعية رفع البلاء
- ما هو أفضل دعاء للوقاية من الأمراض والأوبئة؟
 - أفضل الأدعية هي ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أجمعها دعاء: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ”، وذكر الصباح والمساء: “بِسْمِ اللهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ”.
 - هل يجوز الدعاء بغير اللغة العربية أو بصيغ من عندي؟
 - نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بلغته وبما يفتح الله عليه من كلام طيب لا يخالف الشرع، الدعاء هو مناجاة بين العبد وربه، والله يعلم ما في القلوب، ولكن، لا شك أن الدعاء بالأدعية المأثورة باللغة العربية هو الأكمل والأفضل.
 - ما هي أوقات استجابة الدعاء؟
 - يُرجى إجابة الدعاء في أوقات وأحوال معينة، منها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وعند نزول المطر، وفي آخر ساعة من يوم الجمعة.
 - هل يغني الدعاء عن اتخاذ الإجراءات الوقائية؟
 - لا، الدعاء لا يغني عن الأخذ بالأسباب، المنهج الإسلامي يجمع بين التوكل على الله (وهو عمل القلب وثمرته الدعاء) والأخذ بالأسباب (وهو عمل الجوارح)، فالمسلم يدعو الله بالحفظ والشفاء، وفي نفس الوقت يلتزم بالإرشادات الصحية والطبية للوقاية من الأمراض.
 
		
