يُعلي ديننا الإسلامي الحنيف من شأن الأم ويُبرز مكانتها الجليلة، فهي أساس الأسرة وعمادها، ومصدر الحب والحنان الذي لا ينضب، وإن الدعاء للأم هو من أعظم صور البر بها، سواء في حياتها أو بعد مماتها، وهو تعبير صادق عن الامتنان والوفاء لدورها العظيم، نستعرض في هذا المقال مجموعة من الأدعية المأثورة والعامة للأم، مع التأكيد على أهمية الالتزام بما هو ثابت وصحيح.
أدعية للأم من القرآن الكريم والسنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تشمل خيري الدنيا والآخرة، ومن هذه الأدعية:
- دعاء قرآني للوالدين: وهو من أجمع الأدعية وأعظمها، حيث يأمرنا الله تعالى بالدعاء لهما بالرحمة.
“رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” [الإسراء: 24].
.
- دعاء قرآني جامع للخير: يمكن الدعاء به للأم ولكل من تحب، فهو يجمع خير الدنيا والآخرة.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201].
.
وقد أكدت السنة النبوية على فضل بر الأم ومكانتها العظيمة، مما يجعل الدعاء لها من أفضل القربات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
“جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ».” (متفق عليه)
أدعية عامة للأم الحية
يمكن للمسلم أن يدعو لوالدته بما يفتح الله عليه من صيغ الدعاء الطيبة التي تحمل معاني الخير والبركة في صحتها وعمرها وعملها، ومن هذه الصيغ العامة:
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ أُمِّي سَيِّدَةً مِنْ سَيِّدَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَاجْعَلِ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِهَا، وَنُورَ صَدْرِهَا، وَجَلَاءَ حُزْنِهَا، وَذَهَابَ هَمِّهَا.
- يَا رَبِّ، اشْفِ أُمِّي مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَارْزُقْهَا الصِّحَّةَ وَالْعَافِيَةَ مَا حَيِيَتْ، وَامْنَحْهَا قُوَّةً تُعِينُهَا عَلَى طَاعَتِكَ، وَبَارِكْ فِي عُمْرِهَا وَعَمَلِهَا.
- اللَّهُمَّ أَقِرَّ عَيْنَ أُمِّي بِمَا تَتَمَنَّاهُ لَنَا فِي الدُّنْيَا، وَاجْعَلْهَا رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، وَامْلَأْ قَلْبَهَا بِالسَّكِينَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَأَبْعِدْ عَنْهَا كُلَّ هَمٍّ وَغَمٍّ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ أُمِّي، فَاحْفَظْهَا بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَأَحِطْهَا بِرِعَايَتِكَ، وَارْزُقْهَا خَيْرَ أَيَّامِهَا، وَاجْعَلْ أَفْضَلَ أَعْمَالِهَا خَوَاتِيمَهَا.
- يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اجْعَلْ أُمِّي مِمَّنْ رَضِيتَ عَنْهُمْ وَأَرْضَيْتَهُمْ، وَأَدْخِلِ السَّعَادَةَ عَلَى قَلْبِهَا، وَلَا تَجْعَلْ فِي حَيَاتِهَا شَكْوَى مِنْ أَلَمٍ أَوْ ضِيقٍ.
أدعية للأم المتوفاة
بر الأم لا ينقطع بموتها، بل يستمر بالدعاء لها والتصدق عنها، وهذه بعض صيغ الدعاء التي يُرجى نفعها للمتوفاة:
- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمِّي وَارْحَمْهَا، وَعَافِهَا وَاعْفُ عَنْهَا، وَأَكْرِمْ نُزُلَهَا، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهَا، وَاغْسِلْهَا بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهَا مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ.
- اللَّهُمَّ أَبْدِلْهَا دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهَا، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهَا، وَأَدْخِلْهَا الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ قَبْرَهَا رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَلَا تَجْعَلْهُ حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النَّارِ، اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهَا فِي قَبْرِهَا مَدَّ بَصَرِهَا، وَافْرُشْ قَبْرَهَا مِنْ فِرَاشِ الْجَنَّةِ.
- اللَّهُمَّ إِنَّهَا فِي ذِمَّتِكَ وَحَبْلِ جِوَارِكَ، فَقِهَا فِتْنَةَ الْقَبْرِ، وَعَذَابَ النَّارِ، وَأَنْتَ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالْحَقِّ، فَاغْفِرْ لَهَا وَارْحَمْهَا، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
- يَا رَبِّ، آنِسْ وَحْشَتَهَا فِي قَبْرِهَا، وَاجْعَلْهَا مِنَ الْمُطْمَئِنِّينَ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَاجْمَعْنَا بِهَا فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
تنبيه هام حول بعض الأدعية المنتشرة
تنبيه: قد تنتشر بين الناس صيغ أدعية معينة تُنسب إليها فضائل خاصة أو تُربط بأوقات محددة دون دليل شرعي صحيح، الدعاء عبادة، والأصل فيها هو التوقيف والالتزام بما ثبت في القرآن والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة ما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم.
مكانة الأم وأهمية برها في الإسلام
الأم هي الحضن الدافئ والملاذ الآمن، وفضلها على أبنائها عظيم لا يمكن إحصاؤه، وقد جعل الإسلام برها من أعظم الأعمال التي تقرب العبد إلى ربه، ورفع مكانتها بشكل كبير، حيث أوصى بها القرآن الكريم وأكدت عليها السنة النبوية المطهرة، قال الله تعالى في كتابه الكريم:
“وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا” [الأحقاف: 15].
إن بر الأم ليس مجرد واجب ديني، بل هو مفتاح للبركة والتوفيق في حياة الإنسان.
من حقوق الأم وأساليب برها
بر الأم يتجلى في أفعال وأقوال تعكس الحب والاحترام والتقدير، ومن أبرز حقوقها وأساليب برها:
- الطاعة في المعروف: طاعتها وتنفيذ أوامرها ما لم تكن في معصية الله.
- الإحسان في المعاملة: التحدث معها بلين ورفق، وخفض الصوت، واستخدام أعذب الكلمات.
- الخدمة والرعاية: السعي في قضاء حوائجها وتلبية طلباتها، خاصة عند كبر سنها وحاجتها.
- الإنفاق عليها: توفير احتياجاتها المادية بسخاء وطيب نفس، فهذا من أعظم الحقوق.
- إدخال السرور على قلبها: الحرص على كل ما يفرحها، وتجنب ما يسبب لها الحزن أو الضيق.
- الدعاء لها: الإكثار من الدعاء لها بالخير والرحمة والمغفرة في حياتها وبعد مماتها، وهو من أعظم صور البر المستمر.
أهمية وثمرات بر الأم
بر الأم من أعظم القربات وأجل الطاعات، وله ثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة، منها:
- سبب لدخول الجنة: فهو من أحب الأعمال إلى الله وسبب في نيل رضاه ومغفرته.
- مفتاح للرزق والبركة: يفتح الله به أبواب الخير والتيسير في حياة البار بوالدته، ويبارك له في عمره ورزقه.
- تفريج الكروب: يُعد بر الوالدين من أسباب تفريج الهموم وتيسير الأمور الصعبة، كما ورد في قصة أصحاب الغار.
- صلاح الذرية: فكما يبر الإنسان والديه، يُرجى أن يبره أبناؤه، فالجزاء من جنس العمل.
المصادر والمراجع
- سورة الإسراء، الآية 24.
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة الأحقاف، الآية 15.
- حديث “من أحق الناس بحسن صحابتي”، متفق عليه، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء للأم؟
أفضل الدعاء هو ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية، مثل دعاء: “رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”، كما أن كل دعاء صادق نابع من القلب بالصحة والعافية والمغفرة هو دعاء عظيم ومقبول بإذن الله.
كيف أبر أمي بعد وفاتها؟
يستمر بر الأم بعد وفاتها من خلال:
- الإكثار من الدعاء والاستغفار لها.
- التصدق عنها (الصدقة الجارية).
- قضاء ما عليها من ديون أو نذور.
- صلة رحمها وأصدقائها وإكرامهم.
هل يجوز الدعاء للأم باللغة العامية؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما في قلبه وبأي لغة يفهمها، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما في الصدور ويستجيب الدعاء الصادق، ولكن، يبقى الدعاء بالأدعية المأثورة باللغة العربية أفضل وأكمل.
