إن من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه هي عبادة الدعاء، فهي الصلة المباشرة بين المخلوق والخالق، وبها تتجلى عبودية الإنسان وافتقاره إلى الله عز وجل، وقد أرشدنا القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة إلى جوامع الكلم من الأدعية التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، وهي أفضل ما يدعو به المسلم.

وقد كان الصالحون من سلف هذه الأمة يلهجون بهذه الأدعية المباركة، ويقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم في مناجاتهم لربهم، فتتجلى في حياتهم صفات عباد الرحمن الذين شرفهم الله بذكرهم في كتابه الكريم، وجعلهم قدوة للمؤمنين الطامحين لنيل رضوانه وجنته.

أدعية جامعة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة

الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الأكثر بركة والأعظم أثراً، إليك بعض الأمثلة الموثوقة:

• دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة (القرآن الكريم): من أكثر الأدعية التي كان يرددها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو دعاء عظيم يجمع كل خير.
  

  “وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”

  المصدر: [سورة البقرة: 201]..

• دعاء نبي الله يونس عليه السلام (القرآن الكريم): وهو دعاء الكرب، فما دعا به مسلم في كربة إلا فرّج الله عنه.
  

  “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”

  المصدر: [سورة الأنبياء: 87]..

• دعاء نبوي لطلب الهداية والتقى والعفاف والغنى (السنة النبوية): دعاء عظيم يجمع أصول الفلاح في الدين والدنيا.
  

  “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى، وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ، وَالْغِنَى”

  المصدر: [صحيح مسلم، حديث صحيح]..

• سيد الاستغفار (السنة النبوية): وهو أفضل صيغ الاستغفار، ومن قاله موقناً به فمات من يومه أو ليلته كان من أهل الجنة.
  

  “اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ”

  المصدر: [صحيح البخاري، حديث صحيح]..

صيغ دعاء شائعة ومنسوبة للصالحين

يتداول الناس بعض صيغ الدعاء التي تحمل معاني طيبة، وينسبونها إلى الصالحين، وهي تعبر عن معانٍ إيمانية جميلة، من أمثلة هذه الصيغ:

• طلب الإيمان الثابت والقلب الخاشع: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا دَائِمًا، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا خَاشِعًا، وَأَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَيَقِينًا صَادِقًا، وَدِينًا قَيِّمًا”.
• التوكل على الله والاستعانة به: “بِسْمِ اللهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ”، (وهذا الجزء الأول منه ثابت في السنة كذكر صباح ومساء).
• طلب الحفظ والرعاية من كل شر: “اللَّهُمَّ احْفَظْنِي بِرَحْمَتِكَ وَكَرَمِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاصْرِفْ عَنِّي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ”.

تنبيه هام وحكم هذه الأدعية

تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه (في قسم الصيغ الشائعة)، وغيرها مما يشبهها، هي في معظمها مما يتداوله بعض الناس ولم تثبت بسند صحيح متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الصورة الكاملة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة.

يجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية الطيبة التي لا تخالف الشرع، ولكن لا يجوز نسبتها إلى الدين أو تخصيص فضل معين لها لم يرد به دليل شرعي.

أبرز سمات عباد الرحمن: القدوة الصالحة في القرآن الكريم

حدد القرآن الكريم في سورة الفرقان صفات عباد الرحمن، وهي تمثل نموذجاً للمسلم الصالح الذي يسعى للقرب من الله، هذه الصفات هي المعيار الحقيقي للصلاح والولاية:

• التواضع والسكينة: يمشون على الأرض بتواضع وسكينة، دون تكبر أو خيلاء.
• الحلم والإعراض عن الجاهلين: إذا خاطبهم الجاهلون بما يكرهون، ردوا عليهم بقول يسلمون فيه من الإثم.
• قيام الليل: يبيتون لربهم ساجدين وقائمين، يناجونه في ظلمات الليل.
• الخوف من عذاب الله: يدعون ربهم أن يصرف عنهم عذاب جهنم، لعلمهم بشدته.
• الاعتدال في الإنفاق: ينفقون أموالهم باعتدال، فلا يسرفون ولا يبخلون.
• التوحيد الخالص: لا يدعون مع الله إلهاً آخر، ولا يشركون به شيئاً.
• تعظيم حرمة النفس: لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق الشرعي.
• العفة والطهارة: يجتنبون فاحشة الزنا، لعلمهم بعظيم عقوبتها.
• الصدق والأمانة: لا يشهدون شهادة الزور، ويبتعدون عن مجالس اللغو والكذب.
• التدبر والاتعاظ بآيات الله: إذا ذُكِّروا بآيات ربهم، لم يمروا عليها صماً وعمياناً، بل يتفكرون فيها ويعملون بها.
• الدعاء بصلاح الأهل والذرية: يسألون الله أن يهب لهم من أزواجهم وذرياتهم قرة أعين، وأن يجعلهم قدوة للمتقين.

إن السعي للتحلي بهذه الصفات، مع الإكثار من الأدعية المأثورة من القرآن والسنة، هو الطريق القويم لنيل محبة الله ورضوانه، وتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة

ما هي أفضل صيغة للدعاء؟

أفضل الأدعية وأجمعها للخير هي ما ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، لأنها من كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي جامعة للمعاني ومباركة.

هل يجوز لي أن أدعو بصيغة من عندي؟

نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يحتاجه من أمور دينه ودنياه بلغته وبأسلوبه الخاص، بشرط ألا يكون في دعائه اعتداء أو إثم أو قطيعة رحم، وألا يعتقد أن لصيغته فضلاً خاصاً لم يرد به دليل.

ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة غير الثابتة؟

البديل الصحيح والأفضل هو الحرص على حفظ وتعلم الأدعية الثابتة في القرآن والسنة، مثل دعاء “ربنا آتنا في الدنيا حسنة…”، وسيد الاستغفار، وأدعية الكرب، وأذكار الصباح والمساء، فهي كافية وشاملة لكل خير.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر