تكتسب أدعية الأنبياء والرسل مكانةً عظيمة في الإسلام، فهي ليست مجرد كلمات، بل هي خلاصة تجارب إيمانية عميقة ولجوء صادق إلى الله تعالى في أوقات الشدة والرخاء، وقد قصّ الله علينا في القرآن الكريم قصصهم وأدعيتهم لتكون نبراساً نهتدي به، ودروساً نتعلم منها كيفية التضرع إلى الخالق، ولنستشعر عظيم رحمته وحكمته.
إن الإنسان بطبيعته يبحث عن مصدر للقوة والطمأنينة، ولا يجد ذلك إلا في القرب من الله عز وجل، ومن أعظم نعم الله علينا أن أرشدنا إلى كيفية عبادته ودعائه، وأرسل إلينا خاتم المرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون لنا الأسوة الحسنة، ويعلمنا جوامع الدعاء التي وردت في الكتاب والسنة الصحيحة.
لقد اصطفى الله أنبياءه ورسله لرجاحة عقولهم وسمو أخلاقهم، فكانوا أهلاً لحمل الرسالة وتبليغها بأمانة وإخلاص، وفي هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية الصحيحة والمأثورة عنهم، مع التأكيد على مصادرها الموثوقة، لنقتدي بهم في مناجاتنا لرب العالمين.
جوامع الأدعية الصحيحة الواردة عن النبي ﷺ
من الأدعية الجامعة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تجمع خيري الدنيا والآخرة، ما يلي:
- الدعاء الأول:
 اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ. المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2720، هذا الدعاء المبارك فيه طلب الصلاح في الدين والدنيا والآخرة، وهو أساس سعادة العبد. 
- الدعاء الثاني:
 اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ. المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2739، وفيه استعاذة بالله من فقدان النعم، وتغير الحال إلى الأسوأ، ومن غضبه سبحانه. 
إن المداومة على هذه الأدعية الصحيحة تعبر عن افتقار العبد لربه، وتوكله عليه في كل شؤونه، وطلب حفظه ورحمته في كل وقت وحين.
أدعية الأنبياء والرسل في القرآن الكريم
تُعتبر أدعية الأنبياء الواردة في القرآن الكريم كنزاً إيمانياً عظيماً، فهي تعلمنا كيفية التوجه إلى الله بيقين وصدق في مختلف الظروف، وهذه الأدعية ثابتة بنص القرآن، وهي من أفضل ما يدعو به المسلم.
- دعاء آدم عليه السلام: بعد أن أكل هو وزوجته من الشجرة، توجها إلى الله بتوبة صادقة.
 “رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ” المصدر: [سورة الأعراف: 23]، يعلمنا هذا الدعاء أهمية الاعتراف بالذنب وسرعة التوبة إلى الله. 
- دعاء نوح عليه السلام: دعا ربه دعاءً شاملاً له ولوالديه وللمؤمنين.
 “رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا” المصدر: [سورة نوح: 28]، يظهر في هذا الدعاء حرص النبي على الخير للجميع، وشمولية الدعاء. 
- دعاء موسى عليه السلام: عندما أمره الله بتبليغ الرسالة، سأل ربه العون والتيسير.
 “رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي” المصدر: [سورة طه: 25-28]، هذا الدعاء عظيم لمن يواجه مهمة صعبة أو يحتاج إلى طلاقة في البيان. 
- دعاء أيوب عليه السلام: في شدة بلائه ومرضه، ناجى ربه بتأدب ويقين.
 “أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” المصدر: [سورة الأنبياء: 83]، يعلمنا هذا الدعاء الصبر الجميل واللجوء إلى الله مع اليقين برحمته. 
- دعاء يونس عليه السلام: وهو في بطن الحوت، دعا بدعاء الكرب العظيم.
 “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” المصدر: [سورة الأنبياء: 87]، وهو دعاء لتفريج الهموم والكربات، يجمع بين التوحيد والتسبيح والاعتراف بالتقصير. 
- دعاء زكريا عليه السلام: عندما رغب في الذرية الصالحة، توجه إلى ربه بيقين.
 “رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ” المصدر: [سورة الأنبياء: 89]، يعلمنا هذا الدعاء الإلحاح في طلب الحاجة من الله مع الثقة في كرمه. 
- دعاء يوسف عليه السلام: بعد أن آتاه الله الملك والعلم، دعا بالثبات على الإسلام وحسن الخاتمة.
 “فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ” المصدر: [سورة يوسف: 101]، دعاء جامع يظهر شكر النعمة وطلب حسن العاقبة. 
- دعاء إبراهيم عليه السلام: وهو يرفع قواعد البيت مع ابنه إسماعيل.
 “رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” المصدر: [سورة البقرة: 127]، وهو دعاء بطلب القبول بعد أداء العبادة، وهو من تمام الإخلاص. 
- دعاء سليمان عليه السلام: عندما فهم قول النملة، شكر الله ودعاه.
 “رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ” المصدر: [سورة النمل: 19]، دعاء عظيم لطلب العون على شكر النعم والعمل الصالح. 
صيغ أدعية شائعة ومنسوبة للأنبياء
تنتشر بين الناس بعض صيغ الأدعية التي تُنسب إلى الأنبياء، وهي في الغالب تجميع لمعانٍ طيبة ومقاصد حسنة، ولكنها لم ترد بهذه الصياغة المحددة في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة، ومن أمثلة ذلك:
- صيغة منسوبة للنبي آدم: اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤالي، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي، اللهم إني أسألك إيماناً يباشر قلبي ويقيناً صادقاً حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبته عليّ، والرضا بما قسمته لي يا ذا الجلال والإكرام. .
- صيغة منسوبة للنبي سليمان: اللهم اغفر لي زلاتي وتجاوز عن سيئاتي، وامنحني مُلكاً عظيماً وخاصاً من فضلك وجودك لا ينبغي لأحدٍ من بعدي، لأنك أنت الوهاب الكريم المعطي بلا حساب. .
تنبيه هام وحكم هذه الصيغ
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، أو أنها منسوبة لنبي معين بهذه الكلمات، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لخيري الدنيا والآخرة.
أما الدعاء بصيغ عامة لم ترد، فإن كان معناها صحيحاً ولا تحتوي على محذور شرعي، فيجوز الدعاء بها على وجه العموم، ولكن لا يجوز نسبتها إلى نبي معين أو تخصيص فضل معين لها دون دليل شرعي.
أدعية قرآنية أخرى للأنبياء
إضافة إلى ما سبق، وردت في القرآن الكريم أدعية أخرى عظيمة على لسان الأنبياء والصالحين:
- دعاء هود عليه السلام (التوكل على الله):
 “إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” المصدر: [سورة هود: 56]، يجسد هذا الدعاء كمال التوكل وتفويض الأمر لله وحده. 
- دعاء لوط عليه السلام (طلب النصر والنجاة):
 “رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ” المصدر: [سورة العنكبوت: 30]، وفيه طلب العون من الله على أهل الفساد، ودعا أيضاً: “رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ” [سورة الشعراء: 169]. 
- دعاء شعيب عليه السلام (طلب الفصل بالحق):
 “وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۚ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ۚ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ” المصدر: [سورة الأعراف: 89]، دعاء باللجوء إلى الله ليحكم بالعدل بين أهل الحق والباطل. 
- دعاء يعقوب عليه السلام (الشكوى إلى الله):
 “إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ” المصدر: [سورة يوسف: 86]، يعلمنا أن الشكوى من الحزن والألم لا تكون إلا لله وحده، فهو كاشف الضر. 
أدوار الأنبياء والرسل وصفاتهم البارزة
لفهم عمق أدعية الأنبياء، من المهم معرفة عظم المسؤولية التي حملوها والصفات التي تحلوا بها:
- تبليغ الرسالة: نقل شريعة الله إلى الناس بأمانة ودقة.
- البيان والتوضيح: شرح مقاصد الدين وتوضيح أحكامه، كما فعل نبينا محمد ﷺ.
- الإصلاح والإرشاد: دعوة المجتمعات إلى الخير والصلاح وتحذيرهم من الشر والفساد.
- ترسيخ التوحيد: غرس عبادة الله وحده في القلوب وتنقيتها من الشرك.
- القدوة الحسنة: كانوا نماذج عملية للأخلاق الفاضلة كالصدق والأمانة والرحمة.
وقد تميزوا بصفات فريدة جعلتهم أهلاً لحمل الرسالة، منها:
- البشرية: كانوا بشراً يعيشون حياة الناس، مما جعلهم قريبين منهم.
- الطهارة والنقاء: كانت قلوبهم طاهرة نقية، مخلصة لله تعالى.
- التطابق بين القول والعمل: كانوا أول من يطبق ما يدعون إليه.
- الأخلاق العظيمة: تحلوا بمكارم الأخلاق كالصدق والعدل والتواضع.
- الصبر والثبات: صبروا على أذى أقوامهم وتحملوا المشاق في سبيل الدعوة.
- الرحمة الشاملة: شملت رحمتهم الإنسان والحيوان وكل ما حولهم.
المصادر والمراجع
- سورة الأعراف، الآية 23.
- سورة نوح، الآية 28.
- سورة طه، الآيات 25-28.
- سورة الأنبياء، الآية 83.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة الأنبياء، الآية 89.
- سورة يوسف، الآية 101.
- سورة البقرة، الآية 127.
- سورة النمل، الآية 19.
- سورة هود، الآية 56.
- سورة العنكبوت، الآية 30.
- سورة الشعراء، الآية 169.
- سورة الأعراف، الآية 89.
- سورة يوسف، الآية 86.
- صحيح مسلم، حديث رقم 2720، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2739، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة
ما هو دعاء النبي يونس لتفريج الكرب؟
دعاء النبي يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت هو:
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”
[الأنبياء: 87]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه: “فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ” (رواه الترمذي وصححه الألباني).
هل يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في القرآن والسنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة بصيغ من عنده، بشرط ألا يكون في الدعاء اعتداء أو إثم أو قطيعة رحم، ولكن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة الصحيحة، لأنها جامعة للمعاني، ومباركة، وأبعد عن الخطأ.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة وغير الثابتة؟
البديل الصحيح هو الأدعية الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية، ففيها غنى وكفاية، على سبيل المثال، بدلاً من دعاء منسوب للنبي سليمان لطلب الملك، يمكن الدعاء بما ورد في القرآن على لسانه:
“رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”
[ص: 35]، وهكذا في كل حاجة، يبحث المسلم عن الدعاء المناسب من المصادر الموثوقة.
 
		
