الدعاء هو جوهر العبادة، والصلة المباشرة التي تربط العبد بخالقه، فبه يلجأ المؤمن إلى الله طالبًا رحمته وعونه، وبه تُستجلب الخيرات وتُدفع الشرور، إن اللجوء إلى الله بالدعاء هو إقرارٌ بحاجتنا الدائمة إليه، وتعبيرٌ عن اليقين بقدرته وعلمه، وهو سبيل لتحقيق السكينة والطمأنينة في القلب، ولأن الدعاء عبادة، فإن خير ما يدعو به المسلم هو ما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة مباركة، ثبتت بالأدلة الصحيحة، وتجمع خيري الدنيا والآخرة.
أدعية قرآنية ونبوية صحيحة
فيما يلي مجموعة من الأدعية الصحيحة والثابتة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والتي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في حياته اليومية.
1، دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة
هذا الدعاء من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آية من كتاب الله تعالى.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
المصدر: سورة البقرة، الآية 201، وقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن هذا كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (صحيح البخاري، 6389).
2، دعاء الاستغفار وطلب العفو
هذا الدعاء النبوي يعلمنا كيفية طلب المغفرة من الله بشكل شامل، معترفين بجهلنا وتقصيرنا.
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري، 6398؛ صحيح مسلم، 2719).
3، دعاء طلب العون والنصرة من الله
دعاء عظيم جامع علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما، يطلب فيه العبد العون من الله على كل أموره.
“رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الْهُدَى إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، إِلَيْكَ مُخْبِتًا أَوَّاهًا مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي”
المصدر: سنن الترمذي (3551)، حديث صحيح،
شرح موجز: (حَوْبَتِي: أي ذنبي وإثمي)، (اسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي: أي انزع من قلبي الغل والحقد والحسد).

توضيح هام حول دعاء منتشر لتفريج الكرب (دعاء الطائف)
ينتشر بين الناس دعاء يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله يوم الطائف، وهو بصيغة:
“اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟…”
حكم هذا الدعاء
تنبيه هام: هذا الدعاء المذكور أعلاه، على الرغم من بلاغة معانيه، إلا أنه لم يثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ضعّف رواياته كبار المحدثين، منهم الإمام الألباني في كتبه مثل “ضعيف الجامع” و”فقه السيرة”، والدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة.
البديل الصحيح من السنة لتفريج الكرب
وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أدعية صحيحة وثابتة للكرب والهم، وهي أولى بالاتباع، ومنها:
- دعاء الكرب:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري، 6346؛ صحيح مسلم، 2730).
- دعاء الهم والحزن:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْzِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”
المصدر: صحيح البخاري (6369).
أدعية نبوية مختارة لمواقف محددة
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلّم أصحابه أدعية جامعة لمختلف الأحوال، منها ما يلي:

1، دعاء صلاح الدين والدنيا والآخرة
“اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ”
المصدر: صحيح مسلم (2720).
2، دعاء الاستعاذة من الشرور والآفات
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا”
المصدر: صحيح مسلم (2722).
3، دعاء ليلة القدر (وفي كل وقت)
سألت السيدة عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟” قال:
“اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”
المصدر: سنن الترمذي (3513)، حديث صحيح.
4، دعاء الاستعاذة من فتنة المسيح الدجال
أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله من أربع في التشهد الأخير من كل صلاة، فقال:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ”
المصدر: صحيح مسلم (588).

5، دعاء الثبات على الدين
كان من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، لما في ثبات القلب من أهمية قصوى للمسلم.
“يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ”
المصدر: سنن الترمذي (2140)، حديث صحيح.
فضل الدعاء المأثور وحكمه
أكد أهل العلم على أن الدعاء بالأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل، لأنها تجمع بين جوامع الكلم، والسلامة من الخطأ، والبركة في اللفظ والمعنى.
أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الأذكار والأدعية من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، فليس لأحد أن يسن للناس نوعًا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة، والدعاء بالأدعية النبوية هو الأفضل والأكمل بلا شك.
ومع ذلك، أوضح الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أنه يجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من كلام طيب يناسب حاجته، وإن لم يكن مأثورًا، ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم، لكن يبقى الحرص على الأدعية المأثورة هو الأولى والأفضل.
شروط وآداب استجابة الدعاء
لتحقيق استجابة الدعاء، يُستحب للمسلم مراعاة بعض الشروط والآداب التي أرشدنا إليها الشرع، ومن أهمها:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصًا لوجه الله، لا يُقصد به رياء أو سمعة.
- حسن الظن بالله: الدعاء بيقين تام بأن الله تعالى قادر على الإجابة وأنه أرحم بعباده من أنفسهم.
- حضور القلب: استحضار عظمة الله والخشوع والتذلل بين يديه، فالله لا يستجيب من قلب غافلٍ لاهٍ.
- تحري أوقات الإجابة: مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، ويوم الجمعة، وعند نزول المطر، وفي السجود.
- اجتناب الحرام: أن يكون مطعم المسلم ومشربه وملبسه من حلال، فإن أكل الحرام من موانع إجابة الدعاء.
- عدم الاستعجال: ألا يقول الداعي: “دعوت فلم يُستجب لي”، بل يلح في الدعاء ويلتزم الصبر.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- صحيح البخاري، أحاديث رقم: 6389, 6398, 6346, 6369، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، أحاديث رقم: 2719, 2720, 2722, 2730, 588، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، أحاديث رقم: 3551, 3513, 2140، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
س1: هل يجوز الدعاء بغير اللغة العربية؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بلغته التي يفهمها إذا كان لا يحسن العربية، الله سبحانه وتعالى يعلم جميع اللغات ويسمع دعاء عباده كيفما دعوه، ولكن، الأفضل للمسلم أن يتعلم الأدعية المأثورة باللغة العربية لفضلها وبركتها.
س2: ما هو البديل الصحيح للدعاء الضعيف المنتشر لتفريج الكرب؟
البديل الصحيح والثابت في السنة النبوية هو “دعاء الكرب” وهو: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ…”، وكذلك دعاء: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ…”، وكلاهما ورد في صحيح البخاري وهما من أعظم ما يُقال عند الشدائد.
س3: لماذا لم يستجب دعائي رغم أنني أدعو كثيرًا؟
استجابة الدعاء لها صور متعددة، قد يستجيب الله للعبد فيعطيه ما سأل، أو قد يصرف عنه من السوء مثل ما دعا به، أو قد يدخر له دعاءه أجرًا وثوابًا في الآخرة، وهو خير له، على المسلم أن يستمر في الدعاء بحسن ظن بالله، وأن يراجع نفسه في آداب وشروط الدعاء، كأكل الحلال وحضور القلب.