دعاء السجود في قيام الليل “اللهم اغفر لي ذنبي كله”

تتمتع صلاة قيام الليل، خاصة في شهر رمضان المبارك، بمنزلة عظيمة في الإسلام، فهي من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وقد ثبت فضلها في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، حيث تُعد من أعظم أسباب رفع الدرجات، وتكفير السيئات، وزيادة الحسنات، ويُعد وقت السجود في الصلاة من أرجى أوقات إجابة الدعاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

“أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ”

(صحيح مسلم)، لذا، يُستحب للمسلم أن يحرص على الأدعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة.

أدعية السجود الثابتة عن النبي ﷺ في قيام الليل

يُعد السجود موطنًا للدعاء والتضرع إلى الله تعالى، وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة صيغ وأذكار كان يقولها في سجوده، وهي من أفضل ما يدعو به المسلم في صلاته:

  • عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده:

    “سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي”

    (متفق عليه: صحيح البخاري وصحيح مسلم).

  • عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد قال:

    “اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ”

    (صحيح مسلم).

  • عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم قيام الليل، فسمعه يقول في سجوده:

    “سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ”

    (رواه أبو داود والنسائي، وهو حديث صحيح).

  • من الأذكار الأساسية في السجود قول:

    “سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى”

    ثلاث مرات أو أكثر، كما ثبت في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه (صحيح مسلم).

  • من الأدعية القرآنية الجامعة التي يُحسن الدعاء بها في السجود وغيره، قول الله تعالى:

    “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”

    [البقرة: 201].

أدعية السجود المأثورة في قيام الليل مكتوبة بخط واضح

أدعية عامة جامعة يمكن الدعاء بها في السجود

بالإضافة إلى الأدعية المأثورة، يجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من خيري الدنيا والآخرة، ما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم، فباب الدعاء واسع، والله سبحانه وتعالى عليم بحاجات عباده، ومن أمثلة الأدعية العامة ذات المعاني الطيبة التي يمكن الدعاء بها:

  • اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا صَادِقًا، وَيَقِينًا لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، وَرَحْمَةً أَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
  • يَا رَبِّ، بِعَظِيمِ لُطْفِكَ وَكَرَمِكَ، ارْزُقْنِي بَرَكَةً فِي الرِّزْقِ، وَطَهَارَةً فِي الْقَلْبِ، وَاكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.
  • اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمِّي، وَيَسِّرْ أَمْرِي، وَاشْرَحْ صَدْرِي، وَاجْعَلْ لِي مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا.
  • اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ.
  • اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَغْمُرَنِي بِرَحْمَتِكَ، وَأَنْ تُصْلِحَ لِي شَأْنِي كُلَّهُ.

فضل الدعاء في صلاة قيام الليل وأثره على المسلم

ما حكم الدعاء في الركوع والسجود؟

الدعاء في الصلاة مشروع وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن تختلف هيئته وموضعه باختلاف أركان الصلاة، والتفصيل الشرعي المبني على الأدلة هو كالتالي:

  • الدعاء في السجود: مستحب بإجماع العلماء، وهو أفضل مواطن الدعاء في الصلاة، فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإكثار من الدعاء فيه، حيث قال:

    “أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ (أَيْ: حَرِيٌّ وَجَدِيرٌ) أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ”

    (صحيح مسلم).

  • الدعاء في الركوع: الأصل في الركوع هو تعظيم الله تعالى وتسبيحه كما ورد في الحديث السابق، وقد وردت بعض الأذكار التي تتضمن معنى الدعاء عن النبي ﷺ في ركوعه (مثل حديث عائشة المذكور أعلاه)، ولكن يبقى السجود هو الموطن الأساسي للإلحاح في الدعاء والمسألة.

دعاء الجلوس بين السجدتين في التهجد

الجلسة بين السجدتين هي ركن من أركان الصلاة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء مأثور يُقال في هذا الموضع، ومن الصيغ الثابتة ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين:

“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي”

(رواه أبو داود والترمذي، وهو حديث حسن).

وفي روايات أخرى، وردت زيادة “وَاجْبُرْنِي” و “وَارْفَعْنِي”، ويجوز للمصلي أن يقتصر على قول: “رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي”، فقد ثبت ذلك أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الأيسر لمن أراد الاختصار.

أدعية جامعة للخير في صلاة التهجد وقيام الليل

إن الدعاء بطلب الخير كله، عاجله وآجله، والاستعاذة من الشر كله، هو من أجمع الأدعية وأشملها، وهو يعكس تفويض المسلم أمره كله لله، ويقينه بأن الله سبحانه يعلم ما يصلحه وما يضره، حتى وإن لم يدركه العبد بعقله.

أهمية الاستعاذة بالله من الشرور في الدعاء

المصادر والمراجع

  • سورة البقرة، الآية 201.
  • حديث “أقرب ما يكون العبد…”، (صحيح مسلم، حديث رقم 482)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
  • حديث “سبحانك اللهم ربنا وبحمدك…”، (صحيح البخاري، حديث رقم 794؛ صحيح مسلم، حديث رقم 484).
  • حديث “اللهم لك سجدت…”، (صحيح مسلم، حديث رقم 771).
  • حديث “سبحان ذي الجبروت…”، (سنن أبي داود، حديث رقم 873؛ سنن النسائي، حديث رقم 1049).
  • حديث “سبحان ربي الأعلى”، (صحيح مسلم، حديث رقم 772).
  • حديث “أما الركوع فعظموا فيه الرب…”، (صحيح مسلم، حديث رقم 479).
  • حديث “اللهم اغفر لي وارحمني…”، (سنن أبي داود، حديث رقم 850؛ سنن الترمذي، حديث رقم 284).

أسئلة شائعة (FAQs)

ما هو أفضل وقت لقيام الليل؟

أفضل وقت لصلاة قيام الليل هو الثلث الأخير من الليل، لنزول الله تعالى إلى السماء الدنيا كما ثبت في الحديث الصحيح:

“يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ”

(متفق عليه).

هل يجوز الدعاء بغير اللغة العربية في السجود؟

نعم، يجوز للمصلي الذي لا يحسن اللغة العربية أن يدعو بلغته في السجود، وهذا هو القول الراجح لدى جمهور العلماء، لأن الدعاء هو مناجاة لله والله تعالى يعلم جميع اللغات، أما القادر على العربية، فالأفضل له الدعاء بها، خاصة بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة.

ما الفرق بين الأدعية المأثورة والأدعية العامة؟

الأدعية المأثورة هي التي وردت بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو في القرآن الكريم، وهي الأفضل والأكمل والأكثر بركة، أما الأدعية العامة، فهي ما يدعو به المسلم من حاجاته وخير الدنيا والآخرة بأسلوبه الخاص، وهي جائزة ومشروعة ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات