يُعَدُّ الدعاءُ بظَهْرِ الغَيْبِ من أصدق صور المحبة والأخوة في الإسلام، وهو وسيلةٌ مباركة للتقرّب إلى الله عز وجل، وتجسيدٌ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ…” (متفق عليه)، فهذه الدعوة الصادقة تعكس نقاء القلب، وتُسهم في توطيد الروابط الإيمانية، وتعود بالخير على الداعي والْمَدْعُوِّ له.
فضل الدعاء بظهر الغيب وحكمه الشرعي
الدعاء بظهر الغيب هو أن يدعو المسلم لأخيه المسلم في غيابه دون علمه، وقد حثّ الإسلام على هذا العمل المبارك ورتّب عليه فضلاً عظيماً، فهو من السنن المستحبة وأسباب استجابة الدعاء، الدليل الأبرز على فضله ما جاء في السنة النبوية الصحيحة.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
“مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2732.
وهذا الحديث العظيم يبين أن الله سبحانه وتعالى يُسخّر مَلَكًا يؤمّن على دعاء المسلم لأخيه، ويدعو للداعي بمثل ما دعا به، مما يجعله من أعظم أبواب الخير التي يفتحها المسلم على نفسه وعلى من يحب.
أمثلة على صيغ الأدعية المنتشرة بظهر الغيب
هذه مجموعة من الصيغ الشائعة التي يتداولها الناس للدعاء بظهر الغيب لمن يحبون، ويمكن الاستئناس بها في الدعاء مع مراعاة أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
دعاء لشخص بالسعادة وراحة البال
اللَّهُمَّ يَا وَاسِعَ الْكَرَمِ، اجْعَلْ سَعَادَتَهُ كَالغَمَامَةِ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ، وَاحْفَظْهُ بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَكُنْ لَهُ عَوْنًا وَسَنَدًا فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ رُوحَهُ مُطْمَئِنَّةً وَقَلْبَهُ مَلِيئًا بِالسَّكِينَةِ، وَأَبْعِدْ عَنْهُ كُلَّ مَا يُكَدِّرُ فَرْحَتَهُ، اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَوْدَعْتُكَ أَحْلَامَهُ وَابْتِسَامَتَهُ، فَلَا تُرِنِي فِيهِ سُوءًا وَاحْفَظْهُ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
دعاء للأخ بظهر الغيب
اللَّهُمَّ اجْعَلْ نُورَكَ يَتَجَلَّى فِي قَلْبِ أَخِي، وَاجْعَلْ ذَلِكَ النُّورَ لَا يَخْبُو أَبَدًا، اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ رِزْقًا لَا يَنْقَطِعُ، وَصِحَّةً تُعِينُهُ عَلَى طَاعَتِكَ، وَاجْعَلْ لَهُ مَكَانَةً فِي قُلُوبِ عِبَادِكَ، اللَّهُمَّ أَعِنْهُ عَلَى بُلُوغِ أُمْنِيَاتِهِ، وَامْلَأْ حَيَاتَهُ بِالخَيْرِ وَالبَرَكَةِ بِكَرَمِكَ يَا رَحِيمُ.
دعاء بظهر الغيب لفك الكرب
يَا اللهُ، أَنْتَ الأَعْلَمُ بِمَا يَحْمِلُهُ قَلْبِي مِنْ حُبٍّ لِهَذِهِ النَّفْسِ العَزِيزَةِ، اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ فِي طَرِيقِهِ مَا يُعَكِّرُ صَفْوَ حَيَاتِهِ، وَأَسْعِدْهُ بِكُلِّ مَا هُوَ جَمِيلٌ، وَعَوِّضْهُ خَيْرًا عَنْ كُلِّ مَشَقَّةٍ، اللَّهُمَّ يَسِّرْ لَهُ أُمُورَهُ، وَاخْتِمْ لَهُ بِالفَرَحِ وَالرِّضَا، وَبَارِكْ فِي أَيَّامِهِ، وَوَفِّقْهُ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاحْفَظْهُ بِحِمَاكَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، مع جواز الدعاء بصيغ عامة لا تخالف الشرع.
أهمية الدعاء في حياة المسلم
للدعاءِ شأنٌ عظيم في حياة المسلم، فهو لب العبادة وأساس الصلة بالخالق جل جلاله، وتتجلى أهميته في النقاط التالية:
- عبادة وقربى: الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وقد أمر الله به في كتابه فقال:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ”
[غافر: 60].
- نيل الأجر والثواب: وعد الله عباده الداعين بالأجر العظيم، فكل دعاء هو عبادة يُثاب عليها المسلم.
- دفع غضب الله: بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن ترك الدعاء قد يكون سبباً في غضب الله، مما يدل على محبته سبحانه لسؤال عباده.
- تزكية النفس: يسهم الدعاء في ترقيق القلب وتوجيهه نحو الخضوع لله، والتخلص من الكبرياء، فالعبد حين يدعو يكون في حالة تذلل وافتقار تام لله عز وجل.
- سبيل لتفريج الكروب: الدعاء هو الملجأ عند الشدائد، يبعث في النفس السكينة والراحة ويمنح القلب الطمأنينة.
- صورة من صور التوكل: الدعاء يستلزم يقيناً راسخاً وثقة تامة بقدرة الله على الإجابة، وهو من شروط قبول الدعاء.
لهذه الفضائل، ينبغي على المسلم أن يجعل الدعاء جزءاً لا يتجزأ من حياته، في السراء والضراء، والرخاء والشدة، ليكون دائم الصلة بربه.
شروط وآداب الدعاء
ليكون الدعاء أقرب للإجابة، يُستحب للمسلم مراعاة مجموعة من الآداب والشروط، منها:
- البدء بحمد الله والثناء عليه: يُستحب افتتاح الدعاء بحمد الله والثناء عليه بما هو أهله، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وختم الدعاء بذلك أيضاً.
- اليقين بالإجابة وحسن الظن بالله: على الداعي أن يكون موقناً بأن الله سيستجيب له، وأن يؤمن بحكمة الله في توقيت الإجابة أو صرف سوء عنه أو ادخارها له في الآخرة.
- الإلحاح وعدم الاستعجال: من آداب الدعاء الإلحاح فيه وتكراره دون ملل، وعدم استعجال الإجابة.
- الإخلاص لله وحده: يجب أن يكون الدعاء خالصاً لوجه الله تعالى، لا يُقصد به رياء ولا سمعة.
- الخشوع وحضور القلب: يُقبل المسلم على دعائه بقلب خاشع ومتذلل، وبصوت منخفض، إجلالاً لله تعالى.
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 60.
- صحيح مسلم، حديث رقم 2732، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو فضل الدعاء بظهر الغيب؟
فضله عظيم، فالله تعالى يُسخّر مَلَكًا يقول للداعي: “ولك بمثل”، أي أنك تنال مثل ما دعوت به لأخيك من الخير، وهي دعوة مستجابة بإذن الله لصدقها وخلوها من الرياء.
هل يجب استخدام صيغة معينة في الدعاء بظهر الغيب؟
الأفضل هو استخدام الأدعية الواردة في القرآن والسنة الصحيحة، ومع ذلك، يجوز للمسلم أن يدعو لأخيه بما يفتح الله عليه من خير الدنيا والآخرة بأسلوبه الخاص، ما لم يكن في الدعاء اعتداء أو مخالفة شرعية.
ما هي أفضل الأوقات للدعاء؟
هناك أوقات وأحوال عديدة يُرجى فيها إجابة الدعاء، منها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وعند نزول المطر، وآخر ساعة من يوم الجمعة.

