تُمثّل العشر الأواخر من شهر رمضان فرصةً عظيمة للمسلمين، يغتنمونها للتضرع إلى الله عز وجل وطلب عفوه ورحمته، ويحرص المؤمنون فيها على التقرب إلى الله بشتى العبادات، ومن أعظمها الدعاء، في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية المأثورة والصحيحة، مع بيان مصادرها، ونوضح حكم بعض الأدعية الشائعة ليكون المسلم على بينة من أمره.
أدعية جامعة من القرآن الكريم والسنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها غنية وكفاية.
- دعاء ليلة القدر: عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي:
اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي
)، [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة: من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه:
اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
، [متفق عليه]، وهو يوافق قول الله تعالى في كتابه الكريم:
“وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
[البقرة: 201].
- دعاء الإعانة على الذكر والشكر: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: (يا معاذ، والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول:
اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ
)، [رواه أبو داود، وصححه الألباني].
أدعية عامة يمكن الدعاء بها في رمضان
يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من الأدعية الطيبة التي لا تحتوي على إثم أو قطيعة رحم، وهذه بعض الصيغ العامة التي تجمع معاني الخير والبركة، ويُرجى لمن دعا بها القبول:
- لطلب الإخلاص والقبول: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْإِخْلَاصَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَأَعِنَّا عَلَى طَاعَتِكَ، وَاجْعَلْ رَمَضَانَ شَاهِدًا لَنَا لَا عَلَيْنَا، وَاخْتِمْ لَنَا فِيهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعِتْقِ مِنَ النَّارِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- لصلاح القلب والنفس: اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ النِّفَاقِ، وَأَعْمَالَنَا مِنَ الرِّيَاءِ، وَأَلْسِنَتَنَا مِنَ الْكَذِبِ، وَأَعْيُنَنَا مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ.
- لطلب السعادة والطمأنينة: اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ رَاحَةَ الْقُلُوبِ، وَطُمَأْنِينَةَ النُّفُوسِ، وَفَرِّجْ عَنَّا كُلَّ هَمٍّ وَكَرْبٍ، وَاغْمُرْنَا بِلُطْفِكَ وَكَرَمِكَ يَا اللهُ.
- لحفظ الأهل والأحبة: اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا أَهْلَنَا وَأَحِبَّتَنَا، وَارْزُقْهُمُ الطُّمَأْنِينَةَ وَالسَّلَامَةَ، وَاجْعَلْ دُعَاءَنَا مُسْتَجَابًا وَسَعْيَنَا مَقْبُولًا، وَتُبْ عَلَيْنَا مَغْفِرَةً بِلَا حِسَابٍ يَا كَرِيمُ.
- للتوفيق وحسن الخاتمة: اللَّهُمَّ اجْعَلْ رَمَضَانَ شَهْرَ تَيْسِيرٍ فِي حَيَاتِنَا، وَافْتَحْ لَنَا أَبْوَابَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَارْزُقْنَا حُسْنَ الْخِتَامِ، وَأَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ.
أدعية منتشرة وبيان حالها
تنتشر بين الناس بعض الأدعية والصيغ المنسوبة إلى مناسبات معينة، ومن واجب الأمانة العلمية بيان حالها.
1، دعاء منسوب لآخر جمعة من رمضان
ينتشر حديث منسوب إلى جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم علّمه دعاءً ليقوله في آخر جمعة من رمضان، ونصه: «اَللّـهُمَّ لا تَجْعَلهُ آخرَ العهد مِنْ صِيامِنا إيّاهُ فَاِنْ جَعَلتَهُ فَاجْعَلني مَرْحُوماً وَلا تَجْعَلني مَحْرُوماً».
2، أدعية منسوبة لكتاب “مفاتيح الجنان”
يتداول البعض أدعية طويلة ذات أسلوب إنشائي بليغ، تُنسب أحيانًا إلى مصادر غير معتمدة عند أهل السنة والجماعة، مثل: “اللهم يا واسع الرحمة ويا ذا الجلال والإكرام أرني عظمة قدرتك…”
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة وشاملة لخيري الدنيا والآخرة، ومع أن معنى بعض هذه الأدعية قد يكون صحيحًا، إلا أن نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو تخصيصها بوقت معين دون دليل شرعي هو أمر لا يجوز.
أوقات يُرجى فيها استجابة الدعاء
الدعاء هو وسيلة المسلم للتواصل مع الله سبحانه وتعالى، ومن المهم للمؤمن أن يكون على دراية بالأوقات التي يُرجى فيها استجابة الدعاء ليغتنم هذه الفرص العظيمة.
- أثناء السجود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ
، [رواه مسلم].
- في جوف الليل الآخر: وهو وقت السحر، حيث ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول:
مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ
، [متفق عليه].
- عند نزول المطر: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
ثِنْتَانِ مَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَتَحْتَ الْمَطَرِ
، [حديث حسن، رواه الحاكم وصححه الألباني].
- دعوة الصائم حتى يفطر: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ
، [رواه الترمذي، وحسنه].
فضائل شهر رمضان المبارك
يتميّز شهر رمضان المُبارك بفضائل عظيمة تجعله مختلفًا عن بقية شهور السنة، ومن ذلك ما ثبت في الأحاديث الصحيحة:
- تُفتح فيه أبوابُ الجنة وتُغلق أبواب النار: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ
، [متفق عليه].
- فيه ليلة القدر: وهي ليلة عظيمة مباركة، قال تعالى:
“لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ”
[القدر: 3]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
، [متفق عليه].
- العمرة فيه تعدل حجة: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً مَعِي
، [متفق عليه].
دعاء الصائم قبل الإفطار
من الأدعية الثابتة عند الإفطار قول:
ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
، [رواه أبو داود، وحسنه الألباني]، كما يمكن للصائم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، فله دعوة لا ترد.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا.
- يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ.
دعاء القنوت في صلاة الوتر
ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ
[رواه أصحاب السنن الأربعة].
وهذا الدعاء يعكس كمال العبودية لله، حيث يستعيذ العبد بصفات الله من صفاته، ويقر بعجزه عن إحصاء الثناء على ربه.
دعاء قضاء الحاجات
من أعظم الأدعية لقضاء الحوائج ما ورد في الحديث الذي حسنه بعض أهل العلم، وهو دعاء اسم الله الأعظم:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ
ثم يسأل حاجته، [رواه أصحاب السنن].
ملفات مفيدة للتحميل
لتسهيل الوصول إلى الأدعية وتنظيمها، يمكنكم تحميل الملفات التالية:
- تحميل دعاء شهر رمضان PDF: “من هنا”.
- تحميل نص دعاء شهر رمضان بصيغة doc: يمكن البحث عن مصادر موثوقة لتحميل أدعية مفرغة بصيغة تتيح التعديل والطباعة.
- تحميل دعاء ختم القرآن pdf: اضغط هنا.
- دعاء صلاة الشفع والوتر: اضغط هنا.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة القدر، الآية 3.
- صحيح البخاري وصحيح مسلم (متفق عليه)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، سنن أبي داود، سنن النسائي، سنن ابن ماجه، (يمكن مراجعتها على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل دعاء في ليلة القدر؟
أفضل وأصح ما ورد هو دعاء: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، كما علّم النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة رضي الله عنها.
هل يجوز الدعاء بأدعية غير واردة في القرآن والسنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، بشرط ألا يكون في الدعاء إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء، ولكن، لا شك أن الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي الأفضل والأجمع للخير والبركة.
ما حكم تخصيص دعاء معين لآخر جمعة في رمضان؟
لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة أي دعاء أو عبادة مخصصة لآخر جمعة من رمضان، وتخصيص وقت معين بعبادة معينة يحتاج إلى دليل شرعي، وإلا دخل في حيز البدعة الإضافية، والأولى هو الاجتهاد في كل أيام وليالي العشر الأواخر.
