يُعد الشعور بالظلم والقهر من أشد الابتلاءات التي قد يمر بها الإنسان، حيث يشعر بالعجز والانكسار، ولكن، يأمرنا ديننا الحنيف باللجوء إلى الله تعالى، فهو سبحانه العدل الحق الذي لا يغفل ولا ينام، وقد حرّم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرمًا، إن الدعاء هو سلاح المؤمن الأقوى، وبه يناجي ربه ويطلب نصره وكشف حقيقة من ظلمه، فالله تعالى هو القادر على إظهار الحق وإعادته إلى أهله.
في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، والتي يمكن للمسلم أن يلجأ بها إلى الله عند تعرضه للظلم أو سعيه لكشف حقيقة أمرٍ ما.
أدعية من القرآن الكريم والسنة النبوية للمظلوم
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة ومباركة، ومنها:
1، أدعية قرآنية جامعة
- دعاء لطلب النصرة والحكم بالحق:
“رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ” [الأعراف: 89].
.
- دعاء لطلب النجاة من القوم الظالمين:
“رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” [القصص: 21].
.
- دعاء الاستعاذة بالله وطلب كفايته من كل شر:
“فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” [البقرة: 137].
وهي وإن كانت آية خبرية، إلا أن معناها يتضمن الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى.
2، أدعية ثابتة من السنة النبوية
حث النبي صلى الله عليه وسلم المظلوم على الدعاء، وبيّن أن دعوته ليس بينها وبين الله حجاب.
- فضل دعوة المظلوم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه ليسَ بيْنَهَا وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ”
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 2448).
- دعاء لرد كيد الظالم: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا خاف قومًا:
“اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ”
(المصدر: سنن أبي داود، حديث صحيح).
- دعاء تفريج الكرب: وهو دعاء عظيم يُلجأ به إلى الله في الشدائد، ومنها الظلم:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6346).
صيغ وأدعية عامة شائعة لطلب كشف الحقيقة
يتداول الناس بعض الصيغ الدعائية التي لم ترد في نصوص الكتاب أو السنة، ولكن معانيها صحيحة بشكل عام، يمكن الدعاء بها على سبيل الاستئناس، مع اليقين بأن الأدعية المأثورة هي الأفضل والأكمل.
- اللهم يا من يسبح بحمده من في السماوات ومن في الأرض، أسألك أن تكشف لي ما تُكنه صدور الناس وأن تبين لي نواياهم، فإن كان فيها خير فقربهم مني وإن كان فيها شر فاكفنيهم بما شئت وارزقني السكينة وطمأنينة القلب.
- حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ في كل من أساء إلي وظلمني، اللهم بعظمتك التي تخشع لها القلوب، وبرحمتك التي وسعت كل شيء، وبعزتك التي يهتز لها العرش ومن حوله، أسألك أن تنصرني وتأخذ لي حقي.
- اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
- يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا من لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، أتضرع إليك وأدعوك بأسمائك الحسنى، يا سميع يا بصير يا عليم يا خبير، أن تغيثني وتفرج كربي وتكشف همي.
تنبيه هام وحكم الدعاء بهذه الصيغ
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة.
يجوز الدعاء بأدعية لم ترد في النصوص الشرعية بشرطين: أولاً، أن تكون معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، وثانياً، ألا يعتقد الداعي أنها سنة مأثورة أو أن لها فضلاً خاصاً لم يرد به دليل، والأولى والأفضل دائماً هو الاكتفاء بالأدعية النبوية والقرآنية.
دعاء لحفظ الحقوق وطلب العدل
قد يضيع الحق في الدنيا وتُمحى معالمه، لكنه لا يموت عند الله، فالله سبحانه هو العدل الذي تكفل بإظهار الحق ونصرته ولو بعد حين.
- يا مالك الملك، لك الحق المطلق ولك الحكم النافذ، وعدك الحق وقضاؤك العدل، لا تخفى عليك خافية ولا يضيع عندك مثقال ذرة.
- اللهم إليك أشتكي ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي.
- اللهم إني أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ترد إليّ حقي، وتكشف الظلم عني، وتجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً.
حقيقة العدل الإلهي وسنن الله في الظالمين
الحق لا يضيع أبداً في ميزان الله تعالى، وإن بدا للناس غير ذلك، وقد حذر القرآن الكريم من عاقبة الظلم تحذيراً شديداً، وبيّن أن الله يمهل الظالم ولكنه لا يهمله.
“وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ” [إبراهيم: 42].
فالعدل الإلهي قد يتحقق في الدنيا بعقوبة عاجلة للظالم، أو نصرة للمظلوم، وقد يؤخر الله الجزاء إلى يوم القيامة، حيث تُوفَّى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون، وهناك يكون القصاص الأعظم والأوفى.
آثار الظلم في الدنيا والآخرة
الظلم من كبائر الذنوب التي حرمها الله تعالى، وجعل لها عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا، يُحرم الظالم من توفيق الله، وتُنزع البركة من حياته ورزقه، ويُصاب بالهم والقلق، ويعيش منبوذاً من الناس، أما في الآخرة، فالظلم ظلمات يوم القيامة، وعقابه أليم وشديد كما توعد الله تعالى.
لذلك، يجب على كل مسلم أن يبتعد عن الظلم بكل صوره، وأن يسارع في رد الحقوق إلى أهلها والتوبة إلى الله قبل فوات الأوان.
المصادر والمراجع
- سورة الأعراف، الآية 89.
- سورة القصص، الآية 21.
- سورة البقرة، الآية 137.
- سورة إبراهيم، الآية 42.
- صحيح البخاري، حديث رقم 2448، وحديث رقم 6346، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول دعاء المظلوم
- ما هو أفضل وقت لدعاء المظلوم؟
- دعاء المظلوم مستجاب في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء بشكل أخص، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة.
- هل دعاء المظلوم مستجاب دائمًا؟
- نعم، الحديث النبوي الشريف يؤكد أنه “ليس بينها وبين الله حجاب”، مما يدل على سرعة قبولها، والاستجابة قد تكون بتحقيق ما دعا به المظلوم، أو بصرف سوء عنه بقدر دعائه، أو بادخارها له أجراً وثواباً يوم القيامة.
- ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة غير الثابتة؟
- البديل الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية الجامعة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية، ومباركة، وتجمع خيري الدنيا والآخرة، وهي الأقرب للإجابة لأنها من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

