يواجه المسلمون في العديد من بقاع العالم تحدياتٍ جسيمة، ومنها ما يعانيه الشعب السوري من ظلم وبطش فاق كل تصور، في مواجهة هذه المآسي، يبرز الدعاء كسلاح للمؤمن وملاذ للمستضعف، فهو عبادة عظيمة يلجأ بها العبد إلى ربه القوي العزيز، طالباً النصرة والفرج، إن التضرع إلى الله لنصرة المظلومين وهلاك الظالمين ليس مجرد تعبير عن الألم، بل هو استمساك بحبل الله المتين، ويقين بأن النصر بيده وحده.

إن ما يتعرض له أهلنا في سوريا من انتهاكات يدمي القلوب، ويوجب على كل مسلم أن يذكرهم في دعائه، سائلاً المولى عز وجل أن يرفع عنهم البلاء، وأن يفك كربهم، وأن ينتقم لهم ممن ظلمهم، في هذا المقال، نستعرض الحكم الشرعي للدعاء على الظالم، ونذكر باقة من الأدعية المأثورة من الكتاب والسنة، مع التنبيه على بعض الصيغ المنتشرة التي تحتاج إلى توضيح.

الحكم الشرعي في الدعاء على الظالم

الدعاء على الظالم جائز شرعاً، وهو من صور الانتصاف التي أباحها الله للمظلوم، وقد دل على جوازه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فالمظلوم له حق في أن يدعو على من ظلمه بقدر مظلمته، والله تعالى هو الحكم العدل الذي لا يضيع عنده حق.

• من القرآن الكريم: يجيز الله للمظلوم الجهر بالدعاء على ظالمه، قال تعالى:
  

  “لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا” [النساء: 148]

  ، كما دعا نبي الله موسى عليه السلام على فرعون وملئه:

  “وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ” [يونس: 88]

  .

• من السنة النبوية: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا على أقوام ظلموا المسلمين واعتدوا عليهم، ومن ذلك دعاؤه في صلاة الفجر (القنوت) لمدة شهر على قبائل رعل وذكوان وعصية الذين قتلوا القراء، كما قال صلى الله عليه وسلم:
  

  “اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ”

  (حديث صحيح، رواه البخاري).

أدعية مأثورة من الكتاب والسنة للمستضعفين وعلى الظالمين

الأفضل للمسلم أن يلجأ إلى الأدعية الواردة في القرآن والسنة، فهي جامعة للخير، ومباركة، وأقرب للإجابة، إليك بعض من هذه الأدعية الصحيحة والموثوقة:

• دعاء قرآني للمستضعفين: وهو من أنسب الأدعية لأهلنا في سوريا، حيث يجمع بين طلب النجاة والولاية والنصرة.
  

  “رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا” [النساء: 75]

  .

• دعاء النبي ﷺ على الأحزاب: وهو دعاء عظيم يُقال عند تكالب الأعداء.
  

  “اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وزَلْزِلْهُمْ”

  (حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم).

• دعاء النبي ﷺ للمستضعفين في مكة: وفيه الدعاء بأسماء أشخاص معينين، مما يدل على جواز ذلك.
  

  “اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ”

  (حديث صحيح، رواه البخاري).

• دعاء عام للمظلوم:“رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ” [العنكبوت: 30].
• دعاء يونس عليه السلام لتفريج الكروب:
  

  “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87]

  .

أمثلة على صيغ دعاء شائعة

ينتشر بين الناس بعض الصيغ التي يعبرون بها عن ألمهم وغضبهم تجاه الظالمين، ومنها ما يلي:

• اللهم يا جبار يا عزيز، يا منتقم، أرنا في الظالمين عجائب قدرتك.
• اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم.
• يا رب، يا من أهلكت فرعون وجنوده، أهلك الطغاة وأعوانهم، ونجِّ عبادك المؤمنين برحمتك.
• اللهم احفظ أهلنا في سوريا بحفظك، وكن لهم ولياً ونصيراً، وداوِ جرحاهم، وفك أسراهم، وتقبل شهداءهم.

تنبيه وإخلاء مسؤولية هام

تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس تعبيراً عن مشاعرهم، ولم تثبت بسند صحيح متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة، وهي الأسلم والأقرب للإجابة بإذن الله.

الأزمة السورية ومعاناة الشعب الصامد

تمر سوريا بأوضاع مأساوية، حيث يواجه الشعب تحديات هائلة ومعاناة مستمرة في ظل استمرار جرائم وانتهاكات النظام الحاكم، وقد أدت هذه الممارسات القمعية إلى تدمير البنية التحتية، وتشريد الملايين، وتحويل حياة السوريين إلى مأساة يومية بحثاً عن أبسط مقومات الأمان والحياة الكريمة.

لقد أصبح الموت جزءاً من الواقع اليومي، ودفع الكثيرون حياتهم ثمناً لمحاولات الهروب من جحيم الحرب، والمشاهد المؤلمة التي وثقتها عدسات الكاميرات، مثل صورة الطفل الغريق، ليست إلا غيضاً من فيض المعاناة التي يعيشها هذا الشعب الصامد.

أبرز انتهاكات وجرائم النظام السوري

لقد وثقت المنظمات الحقوقية الدولية سلسلة من الجرائم الوحشية التي ارتكبها النظام السوري ضد شعبه، والتي ترقى إلى مصاف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ومن أبرز هذه الانتهاكات:

• القتل الممنهج للمدنيين، والذي أودى بحياة مئات الآلاف، بينهم أعداد كبيرة من النساء والأطفال.
• عمليات التعذيب الممنهج في المعتقلات والسجون، والتي راح ضحيتها الآلاف.
• استهداف الأطفال بشكل مباشر عبر الحصار والاعتقال والتعذيب.
• استخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً ضد المناطق المأهولة بالسكان.
• استخدام البراميل المتفجرة العشوائية التي تسببت في دمار هائل وخسائر فادحة في الأرواح.
• ارتكاب مجازر جماعية مروعة، كمجزرة الحولة وغيرها، والتي استهدفت مدنيين عزل في منازلهم.
• استهداف الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي لمنع توثيق الجرائم ونقل الحقيقة للعالم.
• التسبب في تهجير ونزوح أكثر من نصف سكان سوريا داخلياً وخارجياً، مما خلق أكبر أزمة لاجئين في العصر الحديث.

نسأل الله العلي القدير أن يرفع البلاء عن أهلنا في سوريا وسائر بلاد المسلمين، وأن ينصر المظلومين على الظالمين، وأن يعجل بالفرج، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

المصادر والمراجع

الأسئلة الشائعة (FAQs)

ما حكم الدعاء على الظالم باسمه؟

نعم، يجوز الدعاء على الظالم المعين باسمه، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على أشخاص وأقوام بأسمائهم، كما في دعائه على قبائل رعل وذكوان، ودعائه للمستضعفين في مكة بذكر أسمائهم مثل “اللهم أنجِ الوليد بن الوليد”.

ما هو أفضل دعاء للمظلومين في سوريا؟

أفضل الدعاء هو ما ورد في القرآن والسنة، ومن أنفع الأدعية لأهل سوريا دعاء المستضعفين المذكور في سورة النساء: “رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا”، وكذلك دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وزَلْزِلْهُمْ”.

هل يجوز الدعاء بهلاك الظالم وأهله؟

الأصل هو الدعاء على الظالم نفسه الذي باشر الظلم، أما الدعاء على أهله وأولاده الذين لم يشاركوا في الظلم، فهذا لا يجوز لأنه من الاعتداء في الدعاء، والله تعالى يقول: “وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ”، أما إن كانوا من أعوانه ومناصريه على ظلمه، فيجوز الدعاء عليهم تبعاً له.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر