الأب هو عماد الأسرة وركيزتها الأساسية، فهو الذي يسعى في مناكبها لتوفير حياة كريمة لأهله، باذلاً وقته وجهده في سبيل راحتهم، وقد عظّم الإسلام مكانة الوالدين وأمر ببرّهما والإحسان إليهما، وجعل الدعاء لهما من أعظم القربات وأجلّ الطاعات، سواء في حياتهما أو بعد مماتهما.
أدعية للأب من القرآن الكريم والسنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تحمل أعظم المعاني وأصدق المقاصد.
1، أدعية قرآنية للوالدين
ورد في القرآن الكريم أدعية جامعة لخيري الدنيا والآخرة للوالدين، ومنها:
- دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهو دعاء شامل بالمغفرة:
 “رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ” (سورة إبراهيم، الآية: 41). 
- دعاء بالرحمة، وهو من أعظم صور البر بهما جزاءً لتربيتهما:
 “رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” (سورة الإسراء، الآية: 24). 
2، فضل الدعاء للوالدين في السنة النبوية
بيّنت السنة النبوية أن عمل الإنسان لا ينقطع بعد موته إن ترك أثراً صالحاً، ومن أعظم هذا الأثر دعاء الولد الصالح لوالديه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”
(رواه مسلم، حديث صحيح)
وهذا الحديث يؤكد على أهمية الدعاء للأب، خاصة بعد وفاته، فهو عمل مستمر يصل أجره إليه بإذن الله.
صيغ وأدعية عامة مأثورة للأب
إلى جانب الأدعية المأثورة من القرآن والسنة، يمكن للمسلم أن يدعو لوالده بما يفتح الله عليه من صيغ الدعاء الطيبة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، ما لم تتضمن اعتداءً في الدعاء، وهذه بعض الأمثلة:
دعاء للأب بالصحة والعافية
- اللَّهُمَّ أَلْبِسْ أَبِي ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَارْزُقْهُ عُمْرًا مَدِيدًا فِي طَاعَتِكَ، وَاحْفَظْهُ بِحِفْظِكَ يَا خَيْرَ الْحَافِظِينَ.
- يَا رَبِّ، أَذْهِبِ الْبَأْسَ عَنْ أَبِي، وَاشْفِهِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا، اللَّهُمَّ خَفِّفْ عَنْهُ كُلَّ أَلَمٍ وَأَزِلْ عَنْهُ كُلَّ تَعَبٍ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ قَلْبَ أَبِي عَامِرًا بِذِكْرِكَ، وَلَا تَجْعَلْ لِلْهَمِّ طَرِيقًا إِلَيْهِ، وَبَارِكْ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَصِحَّتِهِ وَأَهْلِهِ.
دعاء للأب بالرزق والتوفيق
- اللَّهُمَّ ارْزُقْ أَبِي مِنْ وَاسِعِ فَضْلِكَ، وَبَارِكْ لَهُ فِي مَالِهِ وَعَمَلِهِ، وَيَسِّرْ لَهُ أَسْبَابَ الْبَرَكَةِ وَالتَّوْفِيقِ فِي كُلِّ خُطْوَةٍ.
- اللَّهُمَّ افْتَحْ لِأَبِي أَبْوَابَ رِزْقِكَ، وَاجْعَلْهُ مِنْ عِبَادِكَ الشَّاكِرِينَ الرَّاضِينَ، وَأَعِنْهُ عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
دعاء للأب المتوفى بالرحمة والمغفرة
- اللَّهُمَّ ارْحَمْ أَبِي الَّذِي رَحَلَ عَنَّا، وَاجْعَلْ قَبْرَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَلَا تَجْعَلْهُ حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ.
- اللَّهُمَّ أَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ.
- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ.
دعاء للأب في الغربة
- اللَّهُمَّ احْفَظْ أَبِي فِي غُرْبَتِهِ بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَكُنْ لَهُ سَنَدًا وَعَوْنًا، وَيَسِّرْ أَمْرَهُ، وَرُدَّهُ إِلَيْنَا سَالِمًا غَانِمًا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
- اللَّهُمَّ آنِسْ وَحْشَتَهُ فِي غُرْبَتِهِ، وَاجْعَلْهَا بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَيْهِ، وَأَبْدِلْهُ رَاحَةً وَاطْمِئْنَانًا بَدَلَ التَّعَبِ وَالْحَنِينِ.
أمثلة على صيغ دعاء شاملة للأب
هذه بعض الصيغ الجامعة التي يتداولها الناس، ويُرجى بها الخير للأب في مختلف أحواله:
- اللَّهُمَّ يَا وَاسِعَ الْفَضْلِ، نَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ أَنْ تُفِيضَ عَلَى أَبِي مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ، وَأَنْ تَغْمُرَهُ بِعَطَايَاكَ الَّتِي لَا تَنْفَدُ.
- اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنْهُ كُلَّ شَرٍّ، وَابْعِدْ عَنْهُ كُلَّ مَا يُؤْذِيهِ، وَاجْعَلِ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى مُسْتَقَرَّهُ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- يَا رَبِّ، أَزِلْ مِنْ صَدْرِ أَبِي كُلَّ هَمٍّ وَضِيقٍ، وَارْزُقْهُ فَوْقَ مَا يَرْجُو، وَأَكْرِمْهُ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَدْعُو، وَامْلَأْ قَلْبَهُ بِالسَّعَادَةِ.
- اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ لَهُ ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا حَاجَةً لَكَ فِيهَا رِضًا وَلَهُ فِيهَا صَلَاحٌ إِلَّا قَضَيْتَهَا وَيَسَّرْتَهَا يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، ويجوز الدعاء بالصيغ العامة التي ليس فيها محظور شرعي.
بر الوالدين: عبادة وأثر في بناء المجتمع
بر الوالدين من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله، وقد قرن الله تعالى الأمر بعبادته بالأمر بالإحسان إلى الوالدين، مما يدل على عظيم مكانتهما في الإسلام، ويشمل البر طاعتهما في غير معصية الله، والتحدث إليهما بلين ورفق، وخفض الجناح لهما، وتلبية احتياجاتهما، وإدخال السرور على قلبيهما.
- الكلام الطيب: التحدث إليهما بأسلوب يملؤه الاحترام والتقدير.
- الطاعة: طاعتهما في كل ما يأمران به، ما لم يكن فيه معصية لله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
- الدعاء لهما: هو من أعظم صور البر، خاصة بعد وفاتهما، فهو عمل صالح مستمر.
- أخذ المشورة: الاستفادة من خبرتهما وحكمتهما في شؤون الحياة يعكس تقديرًا لهما ويجلب البركة.
إن المجتمع الذي يُعلي من شأن بر الوالدين هو مجتمع متماسك ومترابط، تسوده الرحمة والمودة، لأن الأسرة هي نواة المجتمع، وصلاحها بصلاح العلاقة بين الأبناء والآباء.
المصادر والمراجع
- سورة إبراهيم، الآية 41.
- سورة الإسراء، الآية 24.
- صحيح مسلم، حديث رقم 1631، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء للأب؟
أفضل الدعاء هو ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل قول الله تعالى:
“رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”
[الإسراء: 24]، وقوله:
“رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ”
[إبراهيم: 41]، فهذه أدعية جامعة مباركة من كلام الله تعالى.
هل يجوز الدعاء للأب بصيغ من عندي وباللهجة العامية؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، وبأي لغة أو لهجة يفهمها، ما دام أن معنى الدعاء صحيح وليس فيه اعتداء أو إثم، فالله سبحانه وتعالى قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه، ويعلم ما في القلوب، والأفضل الجمع بين الأدعية المأثورة والدعاء بما يحتاجه الإنسان في خاصة نفسه.
كيف يستمر بر الأب بعد وفاته؟
لا ينقطع بر الأب بوفاته، بل يستمر من خلال عدة أعمال صالحة، أهمها: الدعاء والاستغفار له، وإنفاذ عهده ووصيته، وإكرام صديقه، وصلة الرحم التي لا توصل إلا به، والتصدق عنه.
 
		

